للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ النَّسَائِيِّ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَّى لَهُ التَّوبَةُ؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ يَقُولُ: ((يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالقَاتِلِ تَشْخُبُ أَودَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَي: رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟)). ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ؛ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا.

فَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ عَدَمَ القَبُولِ هُوَ بِاعْتِبَارِ حَقِّ المَقْتُولِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِرْجَاعُهُ كَمَا فِي قَولِهِ: (وَأَنَّى لَهُ التَّوبَةُ؟) (١)، وَلَيسَ أَنَّهُ إِنْ تَابَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ تَوبَتَهُ.

قَالَ الشَّيخُ الغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ: "وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا: أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ تَتَعَلَّقُ فِيهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِأَولِيَاءِ المَقْتُولِ، وَحَقٌّ للهِ جَلَّ وَعَلَا، وَحَقٌّ لِلمَقْتُولِ نَفْسِهِ.

فَأَمَّا حَقُّ أَولِيَاءِ المَقتولِ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالقِصَاصِ أَو بِدَفْعِ الدِّيَةِ، وَأَمَّا حَقُّ اللهِ جَلَّ وعَلَا فَإِنَّه يَسْقُطُ بِالتَّوبَةِ [كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الفُرْقَانِ]، وَيَبْقَى حَقُّ المَقْتُولِ لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تُؤَدَّى الحُقُوقُ إِلَى أَصْحَابِهَا، لِأَنَّهُ يَأْتِي يَومَ القِيَامَةِ مُمْسِكًا قَاتِلَهُ فَيَقُولُ: ((يَا رَبِّ! اسْأَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟)) فَهَلْ يَضِيعُ حَقُّهُ؟ لَا؛ لَنْ يَضِيعَ حَقُّهُ.

وَهَذَا وَجْهٌ اسْتَدَلَّ بِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا تَوبَةَ لَهُ.

وَيَجُوزُ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يُرْضِي المَقْتُولَ عَنِ القَاتِلِ فِي ذَلِكَ المَوقِفِ إِذَا شَاءَ" (٢).

قُلْتُ: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلأَخِيرِ بحَدِيثِ: ((إِنَّ اللهَ ﷿ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرفَات وَأَهْلِ المَشْعَرِ؛ وَضَمِنَ عَنْهُم التَّبِعَاتَ)) (٣).


(١) صَحِيحٌ. النَّسَائِيُّ (٣٩٩٩). صَحِيحُ النَّسائيِّ (٣٩٩٩).
(٢) مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيخِ الغُنَيمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيدِ)، شَرِيطُ رَقَم (٧٥)، شَرْحُ البَابِ.
(٣) صَحِيحٌ. أَورَدَهُ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ ﵀ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (١٧٩٦) عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّورِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (١١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>