للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الرَّعْد: ٣٨] (١).

فَمَا يُخْبِرُ بِهِ النَّبِيُّ Object مِنْ أُمُورِ المُغَيَّبَاتِ إِنَّمَا هُوَ بِإِطْلَاعِ اللهِ تَعَالَى لَهُ عَلَيهِ وَلَيسَ اسْتِقْلَالًا، لِذَلِكَ أَثْبَتَ اللهُ تَعَالَى الإِظْهَارَ مِنْهُ إِلَى النَّبِيِّ Object وَنَفَى عَنْهُ العِلْمَ بِالغَيبِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجِنّ: ٢٦ - ٢٧]، وَقَالَ أَيضًا سُبْحَانَهُ فِي النَّفْي: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيبَ﴾ [الأَنْعَام: ٥٠].

وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى فِي حِوَارِ الهُدْهُدِ مَعَ سُلَيمَانَ Object: ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النَّمْل: ٢٢]! فِي "أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ Object شَيئًا مِمَّا غَابَ عَنْهُ إلّا بِإِعْلَامِ اللهِ، فَلَيسَ لَهُم كَشْفٌ عَامٌّ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الكَونِ! وَإِنَّمَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ مَا أَطْلَعَهُمُ اللهُ عَلَيهِ، وَمِنْ مَدَارِكِ ذَلِكَ هَذِهِ القِصَّةُ؛ فَإِنَّ سُلَيمَانَ Object لَم يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ مَمْلَكَةِ سَبَأٍ شَيئًا حَتَّى أَطْلَعَهُ اللهُ عَلَيهِ بِوَاسِطَةِ الهُدْهُدِ! وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فَغَيرُهُم مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ مِنْ بَابِ أَحْرَى وَأَوْلَى" (٢).

- المُلَاحَظَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنَّ الغَايَةَ مِنْ إِظْهَارِهِم عَلَى شَيءٍ مِنَ الغَيبِ هُوَ تَأْيِيدُهُم عَلَى صِحَّةِ دَعوَاهُم، وَإظْهَارُ نُصْرَتِهِم عَلَى عَدُوِّهِم، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ عِيسَى Object: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عِمْرَان: ٤٩]؛ بِخِلَافِ


(١) وقَالَ تَعَالَى أَيضًا: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [إِبْرَاهِيم: ١١].
(٢) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيسَ (ص ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>