للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: مَا الجَوَابُ عَنْ شُبْهِةِ كَونِ عُمَرَ مُحَدَّثًا؛ فَهُوَ إِذًا يَعْلَمُ الغَيبَ؟

بَلْ فِي قِصَّةِ سَارِيَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى القَومِ وَأَنَّ عَدُوَّهُم يُبَاغِتُهُم وَيَهْزِمُهُم، ثُمَّ أَمَرَ سَارِيَةَ بِأَخْذِ نَاحِيَةِ الجَبَلِ كَي يَسْلَمَ مِنْهُم (١)!

وَأَيضًا قَدْ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁ بِقِرَاءَةٍ فِيهَا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ﴾ بِزِيَادَةِ -وَلَا مُحَدَّثٍ- مِنْ سُورَةِ الحَجِّ (٢)، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِ المُحَدَّثِ بِالغَيبِ أَيضًا!

الجَوَابُ مِنْ أَوجُهٍ:

١ - أَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَجْزِمُ بِذَلِكَ، بَلْ جَاءَ عَلَى جِهَةِ الفَرْضِ لَا الجَزْمِ.

وَلَفْظُ الحَدِيثِ هُوَ: ((لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُم مِنَ الأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ عُمَرُ)) (٣).

٢ - أَنَّ الحَدِيثَ نَفْسَهُ يُبيِّنُ أَنَّ الاطِّلَاعَ عَلَى الغَيبِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا التَّحَدِيثُ فَهُوَ مُشَابِهٌ لَهُ وَلَكِنَّه لَيسَ مِنْهُ، فَصَاحِبُهُ يُحَدَّثُ إِمَّا صَرَاحَةً أَو فِي نَفْسِهِ بِأَشْيَاءَ؛ لَكِنَّه لَا يَسْتَطِيعُ الجَزْمَ بَصَحَّتِهَا.

وَبُرْهَانُ ذَلِكَ هُوَ مِنْ وَجْهَينِ:

أ- أَنَّ عُمَرَ ﵁ نَفْسَهُ قَدْ جَاءَ عَنْهُ قَولُهُ: (وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَو اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾.


(١) وَسَيَأْتِي فِي الجَوَابِ ذِكْرُ تَفَاصِيلِ القِصَّةِ.
(٢) قَالَ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي تَفْسِيرِهِ (١٢/ ٧٩): "قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ﴾ ".
(٣) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٦٨٩) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا، وَمُسْلِمٌ (٢٣٩٨) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>