للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنَاءٍ لِرُؤْيَتِهِ وَرُؤْيَةِ سِكِّينِهِ؟! (١)

وَلَا يَصِحُّ أَيضًا الاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ القِصَّةِ عَلَى حُصُولِ المُكَاشَفَاتِ مِنَ المَشَايخِ وَالأَولِيَاءِ لِمَا يَحْصُلُ حَولَنَا؛ أَو لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الصُّدُورِ هُوَ مِمَّا اخْتَصَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ -كَمَا سَبَقَ-، وَأَمَّا المُكَاشَفَاتُ لِمَا يَحْصُلُ حَولَهُم فَقَد يَكُونُ تَعَامُلًا مَعَ الجِنِّ، أَو اخْتِلَاقًا، أَو تَهْوِيلًا لِلقَصَصَ، أَو فِرَاسَةً وَفِطْنَةً.

وَعَلَى كُلِّ؛ فَلَا تُقَاسُ عَلَى قِصَّةِ عُمَرَ، لِأَنَّ عُمَرَ لَهُ مَزِيَّةٌ مَنْصُوصَةٌ فِيهِ لَيسَتْ لِغَيرِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي الحَديثِ: ((فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ عُمَرُ)).

٤ - أَنَّ مَعْنَى (مُحَدَّثٍ) أَصْلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّ هُنَاكَ مَنْ يُحَدِّثُه، كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلحَدِيثِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَيفَ مُحَدَّثٌ؟ قَالَ: ((تَتَكَلَّمُ


(١) قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيحَةِ (١١١٠): "وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، أَنَّ النِّدَاءَ المَذْكُورَ إِنَّمَا كَانَ إِلْهَامًا مِنَ اللهِ تَعَالَى لِعُمَرَ، وَلَيسَ ذَلِكَ غَرِيبًا عَنْهُ، فَإِنَّهُ (مُحَدَّثٌ) كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَكِنْ لَيسَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ كُشِفَ لَهُ حَالُ الجَيشِ؛ وَأَنَّهُ رَآهُم رَأْيَ العَينِ! فَاسْتِدْلَالُ بَعْضِ المُتَصَوِّفَةِ بِذَلكَ عَلَى مَا يَزْعُمُونَهُ مِنَ الكَشْفِ لِلأَولِيَاءِ؛ وَعَلَى إِمْكَانِ اطِّلَاعِهِم عَلَى مَا فِي القُلُوبِ؛ مِنْ أَبْطَلِ البَاطِلِ، كَيفَ لَا وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ رَبِّ العَالَمِينَ المُنْفَرَدِ بِعِلْمِ الغَيبِ وَالإطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الصُّدُورِ.
وَلَيتَ شِعْرِي كَيفَ يَزْعُمُ هَؤُلْاءِ ذَلِكَ الزَّعْمَ البَاطِلَ وَاللهُ ﷿ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجِنّ: ٢٦ - ٢٧]، فَهَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أولَئْكَ الأَولِيَاءَ رُسُلٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُم يَطَّلِعُونَ عَلَى الغَيبِ بِإِطْلَاعِ اللهِ إِيَّاهُم!! سُبْحَانَك هَذا بُهْتَانٌ عَظيمٌ.
عَلَى أَنَّهُ لَو صَحَّ تَسْمِيَةُ مَا وَقَعَ لِعُمَرَ ﵁ كَشْفًا؛ فَهُوَ مِنَ الأُمُورِ الخَارِقَةِ لِلعَادَةِ الَّتِي قَدْ تَقَعُ مِنَ الكَافِرِ أَيضًا، فَلَيسَ مُجَرَّدُ صُدُورِ مِثْلِهِ بِالذِي يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وَلَايَتِهِ! وَلِذَلِكَ يَقُولُ العُلَمَاءُ: إِنَّ الخَارِقَ لِلعَادَةِ إنْ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُوَ كَرَامَةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِدْرَاجٌ، وَيَضْرِبُونَ عَلَى هَذَا مَثَلًا الخَوَارِقَ الَّتِي تَقَعُ عَلَى يَدِ الدَّجَّالِ الأَكْبَرِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَقَولِهِ لِلسَّمَاءِ: أَمْطِري؛ فَتُمْطِرُ! وَلِلأَرْضِ: أَنْبِتِي نَبَاتَكِ؛ فَتُنْبِتُ! وَغَيرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>