للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وِإِنَّ مَنْ تَرَكَ طَلَبَ الرُّقْيَةِ -الَّتِي هِيَ فِي أَصْلِهَا جَائِزَةٌ- مِنْ رَجُلٍ حَيٍّ حَاضِرٍ قَادِرٍ عَلَيهَا؛ أَفَلَا يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ مِنْ غَيرِ اللهِ؛ مِنْ مَقْبُورٍ أَو غَائِبٍ؟؟ فَظَهَرَ بِذَلِكَ سِرُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِ طَلَبِ الرُّقْيَةِ؛ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ التَّوحِيدِ المُسْتَحَبِّ.

- ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فِي هَذَا البَابِ آيَتِينِ، وَمُنَاسَبَتُهُمَا لِلبَابِ: الإِشَارَةُ إِلَى تَحْقِيقِ التَّوحِيدِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِانْتِفَاءِ الشِّرْكِ كُلِّهِ.

- فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ Object -هُنَا- بَيَانُ أَرْبَعِ صِفَاتٍ لَهُ، وَهِيَ:

١ - أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَهُوَ قُدْوَةٌ لِغَيرِهِ فِي التَّوحِيدِ، فَقَدْ أَتَى بِكَمَالِ التَّوحِيدِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البَقَرَة: ١٢٤]، وَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [المُمْتَحَنَة: ٤] (١).


(١) قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ Object: "وَالفَرْقُ بَينَ الأُمَّةِ وَالإِمَامِ مِن وَجْهَينِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الإِمَامَ كُلُّ مَا يُؤْتَمُّ بِهِ سَوَاءً كَانَ بِقَصْدِهِ وَشُعُورِهِ أَوْ لَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الطَّرِيقُ إِمَامًا كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحِجْر: ٧٨ - ٧٩] أَي: بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ لَا يَخْفَى عَلَى السَّالِكِ، وَلَا يُسَمَّى الطَّرِيقُ أُمَّةً!
الثَّانِي: أَنَّ الأُمَّةَ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى، وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ صِفَاتِ الكَمَالِ مِن العِلْمِ وَالعَمَلِ بِحَيثُ بَقِيَ فِيهَا فَرْدًا وَحْدَهُ، فَهُوَ الجَامِعُ لِخِصَالٍ تَفَرَّقَتْ فِي غَيرِهِ، فَكَأَنَّهُ بَايَنَ غَيرَهُ بِاجْتِمَاعِهِا فِيهِ وَتَفَرُّقِهَا أَوْ عَدَمِهَا فِي غَيرِهِ، وَلَفْظُ (الأُمَّةُ) يُشْعِرُ بِهَذَا المَعْنَى لِمَا فِيهِ مِن المِيمِ المُضَعَّفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الضَّمِّ بِمَخْرَجِهَا وَتَكْرِيرِهَا، وَكَذَلِكَ ضَمُّ أَوَّلِه؛ فَإِنَّ الضَّمَّةَ مِن الوَاوِ وَمَخْرَجِها يَنْضَمُّ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا، وَأَتَى بِالتَّاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الوِحْدَةِ كَالغُرْفَةِ وَاللُّقْمَةِ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: ((إِنَّ زَيدَ بنَ عَمرِو بْنِ نُفَيلٍ يُبْعَثُ يَومَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ))، فَالضَّمُّ وَالاجْتِمَاعُ لَازِمٌ لِمَعْنَى الأُمَّةِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الأُمَّةُ الَّتِي هِي آحَادُ الأُمَمِ لأَنَّهُم النَّاسُ المُجْتَمِعُونَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ أَو فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ". مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ (١/ ١٧٤).
قُلْتُ: وَالحَدِيثُ المَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (٩٧٣)، وَأَوْرَدَهُ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ Object فِي صَحِيحِ السِّيرَةِ (ص ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>