للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَالأَمْرِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أَوِ الخُرُوجِ مِنْ أَرْضِ الطَّاعُونِ (١) (٢).

وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُ القَولِ الآخَرِ بِأَنَّ الأَمْرَ بِاجْتِنَابِ المَجْذُومِ هُوَ لِدَفْعِ وَهْمِ وُجُودِ العَدْوَى أَصْلًا.

قُلْتُ: وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ جَوَابِهِم أُمُورٌ:

أ- هَذَا التَّعْلِيلُ لَا دَلِيلَ صَرِيحَ عَلَيهِ؛ وَإنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ وَجْهٍ لِلتَّوفِيقِ فَقَط، وَالنَّفْيُ فِي قَولِهِ: ((لَا عَدْوَى)) لَهُ ثَلَاثَةُ أَوجُهٍ: فَالأَوَّلُ نَفْيٌ لِلْوُجُودِ، وَالثَّانِي نَفيٌ


(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٧٢٩) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ مَرْفُوعًا.
(٢) وَفِي المَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى كَثِيرْةٌ مَرْجُوحَةٌ مِنْهَا:
دَعْوَى النَّسْخِ؛ بِأَنَّ أَحَادِيثَ نَفْي العَدْوَى نَاسِخَةٌ لِأَحَادِيثِ الاجْتِنَابِ (المُثْبِتَةِ للعَدْوَى).
وَبِالعَكْسِ أَيضًا: أَنَّ أَحَادِيثَ إِثْبَاتِ العَدْوَى ثَابِتَةٌ؛ وَغَيرُهَا مُتَكَلَّمٌ فِيهَا. وَكِلَاهُمَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الجَمْعِ.
وَأَيضًا دَعْوَى التَّخْصِيصِ؛ بِأَنَّ أَحَادِيثَ (لَا عَدْوَى) وَأَحَادِيثَ مُخَالَطَةِ المَجْذُومِ خَاصَّةٌ بِقَوِيِّ الإِيمَانِ؛ وَأَمَّا أَحَادِيثَ الاجْتِنَابِ فَهيَ لِضَعِيفِهِ.
أَو أَنَّ الأَمْرَ بِالاجْتِنَابِ لَيسَ لِمَسْأَلةِ العَدْوَى؛ وَإِنَّمَا رِعَايَةً لِحَالِ المَرِيضِ وَمَنْعًا لِأَذِيَّتِهِ بِإِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَيهِ.
أَو دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِالاجْتِنَابِ لِمَرِيضِ الجُذَامِ فَقَط.
قَالَ القَاضِي عِيَاضُ : "وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيهِ الأَكْثَرُ -وَيَتَعَيَّنُ المَصِيرُ إِلَيهِ- أَنْ لَا نَسْخَ، بَلْ يَجِبُ الجَمْعُ بَينَ الحَدِيثَينِ؛ وَحَمْلُ الأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَالأَكْلُ مَعَهُ عَلَى بَيَانِ الجَوَازِ" أ. هـ مُخْتَصَرًا مِنَ الفَتْحِ (١٠/ ١٥٩) لِابْنِ حَجَرٍ .
قُلْتُ: حَدِيثُ أَكْلِ النَّبِيِّ مَعَ المَجْذُومِ ضَعِيفٌ. أَبُو دَاوُدَ (٣٩٢٥) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. الضَّعِيفَةُ (١١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>