للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَو جُرْحٌ أَو شَكْوَى؛ فَيَضَعُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ يَرْفَعُهَا وَيَقُولُ: ((بِسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا؛ بِرِيقَةِ بَعْضِنَا؛ يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا)) هَذَا فِي الصَّحِيحَينِ، وَهُوَ يُبْطِلُ اللَّفْظَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَأَنَّهُمْ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ! فَقَولُهُ فِي الحَدِيثِ ((لَا يَرْقَونَ)) غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي، سَمِعْت شَيخَ الإِسْلَامِ ابْنَ تَيمِيَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنَّمَا الحَدِيثُ ((هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ)). قُلْتُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ دَخَلُوا الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، قَالَ: ((وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) فَلِكَمَالِ تَوَكُّلِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَسُكُونِهِمْ إلَيهِ وَثِقَتِهِمْ بِهِ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ وَإِنْزَالِ حَوَائِجِهِمْ بِهِ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيئًا -لَا رُقْيَةً وَلَا غَيرَهَا-، وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ طِيَرَةٌ تَصُدُّهُمْ عَمَّا يَقْصِدُونَهُ، فَإِنَّ الطِّيَرَةَ تُنْقِصُ التَّوحِيدَ وَتُضْعِفُهُ. قَالَ: وَالرَّاقِي مُتَصَدِّقٌ مُحْسِنٌ، وَالمُسْتَرْقِي سَائِلٌ، وَالنَّبِيُّ رَقَى وَلَمْ يَسْتَرْقِ، وَقَالَ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ؛ فَلْيَنْفَعْهُ)) " (١).

ثُمَّ إِنَّ زِيَادَةَ ((لَا يَرْقُونَ)) -إِنْ صَحَّتْ- فَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الرُّقَى الشِّرْكيَّةِ كَمَا وجَّهَ بِذَلِكَ الحَدِيثَ النَّوَوِيُّ وَالعَسْقَلَانِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَالأَرْجَحُ مَا أَثْبَتْنَاهُ -كَمَا سَيَأْتِي مَعَنَا- وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

- إِيرَادٌ وَجَوَابُهُ:

قَالَ الشَّيخُ سُلَيمَانُ بْنُ عَبدِ اللهِ بَعْدَ ذِكْرِ جُمْلَةِ كَلَامِ ابْنِ القَيِّمِ وَشَيخِ الإِسْلَامِ جَمِيعًا: "وَلَكِنِ اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُم (٢) بِأَنْ قَالَ: (تَغْلِيطُ الرَّاوِي مَعْ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ لَا يُصَارُ إِلَيهِ، وَالمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى التَّغْلِيطِ مَوجُودٌ فِي المُسْتَرْقِي! لِأَنَّهُ اِعْتَلَّ بِأَنَّ الَّذِي لَا يَطْلُبُ مِنْ غَيرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ تَامُّ التَّوَكُّلِ؛ فَكَذَا يُقَالُ: وَالَّذِي


(١) زَادُ المَعَادِ (١/ ٤٧٦).
قُلْتُ: وَحَدِيثُ ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ)) هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٢١٩٩) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا.
(٢) قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ، كَمَا فِي الفَتْحِ (١١/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>