للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العُذْرُ بِالجَهْلِ عِنْدَ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ، وَمَوقِفُهُ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ

وَبَيَانُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ إِنَّمَا نَجْعَلُهُ مِنْ خَاصَّةِ كَلَامِهِ :

قَالَ : "وَأَمَّا الكَذِبُ وَالبُهْتَانُ؛ فِمِثْلُ قَولِهِم: إِنَّا نُكَفِّرُ ِبالعُمُومِ! وَنُوجِبُ الهِجْرَةَ إِلَينَا عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِ! وَإِنَّا نُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَمَنْ لَمْ يُقاتِلْ! وَمِثْلُ


=
كَمَا دَرَسَ مَذَاهِبَ غَيرِهِم كَالشِّيعَةِ، وَلَمْ يَفُتْهُ عِلْمُ الكَلَامِ؛ فَقَدْ دَرَسَهُ وَاتَّخَذَ مَعَهُ سَبِيلَ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فَاسْتَنْكَرَ مُصْطَلَحَاتِ عُلَمَاءِ الكَلَامِ وَأُسْلُوبَهُم فِي النَّفْي وَالإِثْبَاتِ، وَاسْتَنْكَرَ طَرِيقَةَ الكَلَامِيِّينَ فِي الجَدَلِ وَالمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهَا مَزْلَقَةٌ وَمَضَلَّةٌ".
وَقَالَ أَيضًا: "وَمَعْ غَزَارَةِ العِلْمِ، وَإِلْحَاحٍ فِي الطَّلَبِ وَالسَّعْي مِنْ أَجْلِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيخَ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ تَرَفٍ فِكْرِيٍّ، أَوْ عِلْمٍ دُونَ عَمَلٍ! فَوَاقِعُ حَيَاةِ الرَّجُلِ وَأَخْبَارِهِ وَمَا حَقَّقَتْهُ دَعْوَتُهُ تُؤَكِّدُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، بَلْ كَانَ يَحُضُّ أَنْصَارَهُ عَلَى ضَرُورَةِ تَحَلِّيهِم بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ.
لَقَدِ افْتَرَى الكَثِيرُونَ عَلَى عِلْمِ الإِمَامِ وَعَقِيدَتِهِ، فَأَوْرَدُوا شُبَهًا خَطِيرَةً تُحَرِّفُ الحَقِيقَةَ، وَتَدَّعِي البَاطِلَ، وَمِنْ ثَمَّ دَفَعَ هَذَا الأَمْرُ الإِمَامَ إِلَى بَيَانِ عَقِيدَتِهِ الَّتِي يَدِينُ بِهَا، وَالَّتِي نَسْتَشِفُّهَا مِنْ رَسَائِلِهِ الكَثِيرَةِ".
وَقَالَ أَيضًا: "أُثِرَ عَنِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ لِينَهُ فِي خِطَابِهِ مَعَ المُخَالِفِينَ، وَشَفَقَتُهُ فِي مُنَاصَحَةِ الجَاهِلِينَ.
وَدَائِمًا مَا تَقَبَّلَ الشَّيخُ اللَّومَ وَالعِتَابَ، بَلْ وَالهُجُومَ عَلَى شَخْصِهِ وَدَعْوَتِهِ بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ وَادِعَةٍ؛ فَلَا يَرُدُّ الإِسَاءَةَ بِمِثْلِهَا، بَلْ يَرُدُّ الإِسَاءَةَ بِإِحْسَانٍ، وَقَدْ حَوَتْ مُكَاتَبَاتُهُ وَمُرَاسَلَاتُهُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ الكَثِيرَ.
كَاتَبَ الشَّيخُ -عِنْدَمَا اسْتَقَرَّ فِي الدَّرْعِيَّةِ- بِدَعْوَتِهِ أَهْلَ البُلْدَانِ وَرُؤَسَاءَهُم وَمُدَّعِي العِلْمِ فِيهِم، فَمِنْهُم مَنْ قَبِلَ الحَقَّ وَاتَّبَعَهُ، وَمِنْهُم مَنِ اتَّخَذَهُ سُخْرِيًا وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ، وَنَسَبُوهُ إِلَى الجَهْلِ تَارَةً، وَإِلَى السِّحْرِ تَارَةً أُخْرَى، وَرَمَوهُ بِأَشْيَاءَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا جَمِيعًا، وَبَقِيَ يَدْعُو رَبَّهُ بِالحُجَّةِ الوَاضِحَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، فَلَمْ يُبَادِرْ أَحَدًا بِالتَّكْفِيرِ، وَلَمْ يَبْدَأْ أَحَدًا بِالعُدْوَانِ، بَلْ تَوَقَّفَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ وَرَعًا مِنْهُ وَأَمَلًا فِي أَنْ يَهْدِيَ اللهُ الضَّالِينَ". يُنْظَرُ كِتَابُ (قِصَّةِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ) لِلْمُؤَرِّخِ رَاغِبِ السّرْجَانيِّ حَفِظَهُ اللهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>