للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وهذا أكثر في أشعارهم من أن نذكره ههنا، والإخبار عن الواقع لا يدل على جوازه فضلا عن كونه سنة بل نهيه عنه مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته. - قلت: والنهي إنما هو في حق الحي لا الميت، والإقرار إنما هو في حق المتوفي فافترقا، فعدم المشروعية إنما تتجه للحي لا المتوفي. فتنبه -.
ثم قال: وأن السنة في السلام: تقديم لفظه على لفظ المسلم عليه، في السلام على الأحياء، وعلى الأموات، فكما لا يقال في السلام على الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات، كما دلت السنة الصحيحة على الأمرين - قلت: وغاية ما ورد في حق الأموات هنا هو فعله - صلى الله عليه وسلم -، وتعليمهم لتقديم لفظ السلام على المسلم عليه، ولا يستفاد من ذلك عدم جواز غيره، فتنبه.-، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق أن المسلم على غيره لما كان يتوقع الجواب، وأن يقال له: وعليك السلام، بدءوا باسم السلام على المدعو له توقعا لقوله: وعليك السلام، وأما الميت فما لم يتوقعوا منه ذلك قدموا المدعو له على الدعاء فقالوا: عليك السلام، وهذا الفرق لو صح كان دليلا على التسوية بين الأحياء والأموات في السلام فإن المسلم على أخيه الميت يتوقع الجواب أيضا. قال ابن عبد البر ثبت عن النبي أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام). وبالجملة فهذا الخيال قد أبطلته السنة الصحيحة تشريع السلام على الأحياء والأموات، وهنا نكتة بديعة ينبغي التفطن لها وهي أن: السلام شرع على الأحياء، والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم؛ لأنه دعاء بخير والأحسن في دعاء الخير أن يتقدم الدعاء به على المدعو له كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}، وقوله: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ}،: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}،: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ}.
وأما الدعاء بالشر فيقدم فيه المدعو علي المدعو به غالبا كقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي}، وقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَة}، وقوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}، وقوله: {وَعَلَيْهِمْ غَضَب} ...].
وقد تعقب ابن حجر الأدلة التي أشار إليها ابن القيم، فرجح أن قيس بن عاصم المذكور في الشعر الذي استشهد به ابن القيم صحابي مشهور، عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن قائل هذا الشعر مسلم معروف - قلت: وهو عبدة بن الطبيب، كما ذكر الخطابي في غريب الحديث، وكذا ابن حجر في الإصابة - قاله لما مات قيس، ويجاب بأنه قد لا يكون علم النهي، فلا معارضة بينه وبين المرفوع. وأبطل أيضاً الملازمة بين تقديم المدعو على المدعو به في الشر، بآية الملاعنة فقد تقدم فيها ذكر اللعنة، والغضب على الاسم.

<<  <   >  >>