للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعقول معنى، ولكن إثبات ذلك بمجرد الأمر والنهي، دون ضرب الأمثال، وتبين جهة القبح المشهودة بالحس والعقل" (١) أ. هـ.

وقال رحمه الله: "فأولياؤه وخاصته وحزبه لما شهدت عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد، وإن لم يرسل إليهم رسولا، ولم ينزل عليهم كتاباً، ولو لم يخلق جنة ولا ناراً، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسن من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه، وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك وتكميله وتفضيله وزيادته حسناً إلى حسنه" (٢) أ. هـ.

وقال رحمه الله: "ومما يدل على ذلك أيضاً (٣) أنه سبحانه يحتج على فساد مذهب من عبد غيره بالأدلة العقلية التي تقبلها الفطر والعقول، ويجعل ما ركبه في العقول من: حُسن عبادة الخالق وحده، وقبح عبادة غيره من أعظم الأدلة على ذلك. وهذا في القرآن أكثر من أن يذكر ها هنا، ولولا أنه مستقر في العقول والفطر: حسن عبادته وشكره، وقبح عبادة غيره وترك شكره؛ لما احتج عليهم بذلك أصلا، وإنما كانت الحجة في مجرد الأمر. وطريقة القرآن صريحة في هذا كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤).

فذكر سبحانه أمرهم بعبادته، وذكر اسم الرب مضافاً إليهم؛ لمقتضى عبوديتهم لربهم ومالكهم، ثم ذكر ضروب إنعامه عليهم بإيجادهم، وإيجاد من قبلهم، وجعل الأرض فراشاً لهم يمكنهم الاستقرار عليها والبناء والسكنى،


(١) مدارج السالكين: (١/ ٢٦٢: ٢٦٣).
(٢) مفتاح دار السعادة (٣/ ١٢١: ١٢٢).
(٣) أي: على أن العقل فيه حسن التوحيد وقبح الشرك.
(٤) سورة البقرة، الآيتان: ٢١، ٢٢.

<<  <   >  >>