للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: وبعد ثبوت هذا الحكم المجمع عليه نكون بين احتمالين لا ثالث لهما:

إما أن تكون هناك حجج ومواثيق أخذت على العباد من ربهم، وفاطرهم توجب عليهم: التوحيد، والبراءة من الشرك، فمن خرقها، ولم يؤد حقوقها منهم ثبت له بها وصف الشرك وحكمه.

وإما أن يكون المولى جل في علاه قد كلف عباده بما لا يطاق، وأوجب عليهم ما ليس في وسعهم. وهذا ظلم تنزه ربنا عنه.

ولا شك أن أي إنسان صاحب دين لا يجد لنفسه خياراً إلا الاحتمال الأول.

إذاً فقد ثبت بإقراركم وجود حجج وبينات تفرض على العباد: الكفر بالطواغيت والأنداد، مع الإيمان بوحدانية الخالق الفاطر في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

فلو لم تؤخذ تلك الحجج والمواثيق (١)،

لساغ الاحتجاج للمشركين، وعنهم: بالغفلة والجهل، وبالتقليد واتباع الآباء.

إلا أن هذه الحجج والمواثيق الموجبة للتوحيد، والانخلاع من الشرك، سابقة لكافة الحجج الداحضة، والعلل الواهية التي يتشبث بها المشركون والملاحدة.

وقد مرت علينا الآيات والأحاديث الدالة على تلك العهود والمواثيق بفهم الصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان من أهل العلم العاملين قاضية وحاكمة: بعموم تلك الحجج لسائر البشر، وكافة القرون، ولم يوجد الاستثناء فيها ألبتة لأي واحد من الذرية، فضلاً عن أي أمة من الأمم.

ثالثاً: ثم أعود فأقول أريد منكم: وصفاً مناسباً منضبطا مؤثراً في التفريق


(١) وفي هذا المقام أود التنبيه على أمر مهم: وهو أنه حتى لو لم تؤخذ حجج على العباد توجب عليهم التوحيد، والانخلاع من الشرك، لاستحال أيضا أن يوصف العبد الذي وقع في عبادة غير الله جاهلاً - في وقت فترت فيه الرسالات - بالإسلام. لأن للإسلام حقيقة واضحة وهي: الانخلاع من الشرك والبراءة من أهله.

أما الذين يرفضون أن يكون للإسلام حقيقية واضحة واحداً فاصلاً، بل يريدونه شيئاً متميعاً ولفظاً لا معنى له، فهذا شأنهم وما ارتضوه لأنفسهم، وليس من الإسلام في شيء.

<<  <   >  >>