للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفسرون على أن الرجوع المنشود: هو المآب من الشرك إلى التوحيد. فإن لم يكن كذلك عاد الأمر (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من الإقرار بالربوبية إلى الإقرار بالربوبية، ولعلهم يثوبون من الحالة التي هم فيها إلى صنوها ومثيلها! وبهذا تنتفي حجية الميثاق، وهذا كلام يصان عن التحدث به آحاد العقلاء، فضلاً عن رب الأرباب.

وقد يقول قائل: إن حجية المآب من الشرك إلى التوحيد قائمة بخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس للميثاق ودلالته؟ فالجواب: أن المكذبين من المشركين يكذبون به وبغيره مما جاءت به الرسل، وهو قد جعل حجة مستقلة في بطلان الشرك، فدل على أنه في التوحيد وإلا انتفت استقلالية برهانه.

وقد يسوغ هذا الاعتراض إذا كان هناك بين يدي الخبر: معجز قاهر خارج عن مقدور الثقلين ملزم لكل من بلغه بالانقياد لصاحبه. كيف والأمر بخلاف ذلك، فإن الإشهاد في طي النسيان لدى الأنبياء والمؤمنين فضلاً عن المشركين، ولذلك حمله فريق من السلف والخلف على الفطرة (١)، تلك العلوم الضرورية التي لا انفكاك لأي نفس عنها.

ويلزم قائل هذه المقالة: أن حجية الميثاق لا تلزم من مات قبل نزول آيتها، وكذا كل من لم تقرع أذنه من المشركين بعد نزولها، ولكن لزاما على النبيين وأتباعهم الحث على ذكرها في نوادي المشركين وطرقهم: جماعات وفرادى حتى يقيموا حجتها وبرهانها على رؤوسهم؛ امتثالاً لقوله تعالى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٢).

فلما لم يكن كذلك دل على بطلان الاعتراض، واستقلالية حجية الميثاق.


(١) وإن كان الأمر بخلاف ذلك؛ لثبوت الآثار مرفوعة وموقوفة على حقيقة الأخذ والإشهاد. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٩.

<<  <   >  >>