للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في النار إلا حصائد ألسنتهم" (١).

قال ابن تيمية، وأيضاً فهؤلاء القائلون: بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفراً في الباطن ولكنه دليل في الظاهر على الكفر، ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشتم في الباطن عارفاً بالله موحداً له مؤمناً به، فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطناً وظاهراً. قالوا: هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب في الباطن وأن الإيمان يستلزم عدم ذلك.

فيقال لهم: معنا أمران معلومان (أحدهما) معلوم بالاضطرار من الدين و (الثاني) معلوم بالاضطرار من أنفسنا عند التأمل.

من تكلم بالكفر طائعاً غير مكره فهو كافر في الظاهر والباطن:

أما "الأول": فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعاً بغيره كره. بل من تكلم بكلمات الكفر طائعاً غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً وأن من قال: أن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإنما هو كافر في الظاهر فإنه قال قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين. وقد ذكر الله كلمات الكفار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفرية بمنزلة شهادة الشهود عليهم، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقر لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صدقاً وقد تكون كذباً، بل كان ينبغي أن لا يعذبهم إلا بشرط صدق الشهادة وهذا كقوله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وأمثال ذلك.

وأما الثاني: فالقلب إذا كان معتقداً صدق الرسول، وأنه رسول الله وكان محباً للرسول معظماً له. امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه فلا يتصور ذلك منه إلا مع نوع من الاستخفاف به وبحرمته فعلم بذلك أن مجرد اعتقاد أنه صادق لا يكون إيماناً إلا مع محبته وتعظيمه بالقلب (٢). ا. هـ.


(١) أخرجه الإمام أحمد والترمذي (باب الإيمان) وابن ماجة- باب كف اللسان في الفتنة وصححه الألباني راجع صحيح سنن ابن ماجه جـ: ٢ ص: ٣٥٩ - باب كف اللسان في الفتنة.
(٢) جـ: ٧ ص: ٥٥٧ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>