للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكل من لم يعبد الله مخلصاً له الدين فلا بد أن يكون مشركاً عابداً لغير الله. وهو في الحقيقة عابد للشيطان.

فكل واحد من بني آدم إما عابد للرحمن وإما عابد للشيطان. قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (١). ا. هـ.

وقال ابن القيم كما أن من غمر قلبه بمحبة الله -تعالى- وذكره وخشيته والتوكل عليه والإنابة إليه أغناه ذلك عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه، وأغناه أيضاً عن عشق الصور. وإذا خلا من ذلك صار عبد هواه أي شيء استحسنه ملكه واستعبده. فالمعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى، والمعرض عن السنة مبتدع ضال شاء أم أبى (٢). ا. هـ.

وقال: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ...). فقسم -سبحانه- الخلائق قسمين: سفيها لا أسفه منه، ورشيداً.

فالسفيه: من رغب عن ملته إلى الشرك. والرشيد: من تبرأ من الشرك قولاً وعملاً وحالاً فكان قوله توحيداً وعمله توحيداً وحاله توحيداً ودعوته إلى التوحيد (٣). ا. هـ وهذه الثانية

العبادة وشروطها وفساد الشرك لها:

(٣) تقرير هؤلاء الأئمة أن العبادة لله وحده لا تقع مع الشرك به، وأن من شروط تحقق العبادة العلم بالمعبود، والمشرك جاهل بالله -عز وجل-.

فإن الله هو الرب المالك الخالق لكل شيء وبهذا استحق العبادة والتأله ووجب له الشكر وحده لا شريك له والمشرك لا علم له بهذا وأيضاً من شروط العبادة أن تكون: خالصة لله وحده لا شريك له، وأن يكون المتوجه له مسلماً حال التوجه لا تقع إلا بهذا.

قال تعالى: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن


(١) جـ: ١٤ ص: ٢٨٢: ٢٨٥.
(٢) إغاثة اللهفان جـ: ١ ص: ٢١٤.
(٣) مدارج السالكين جـ: ٣ ص: ٤٤٦.

<<  <   >  >>