للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجهلهم بمعنى هذه الكلمة كحال: أكثر المتأخرين من هذه الأمة فإنهم كانوا يقولونها مع ما كانوا يفعلونه من الشرك بعبادة الأموات والغائبين والطواغيت والمشاهد فيأتون بما ينافيها فيثبتون ما نفته من الشرك باعتقادهم وقولهم وفعلهم وينفون ما أثبتته من الإخلاص كذلك ...

وفيه دليل على أن توحيد العبادة هو: أول واجب لأنه أساس الملة وأصل دين الإسلام، وأما قول المتكلمين ومن تبعهم: إن أول واجب معرفة الله بالنظر والاستدلال فذلك أمر فطري فطر الله عليه عباده، ولهذا كان مفتتح دعوة الرسل أممهم إلى توحيد العبادة. (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). أي: لا تعبدوا إلا الله. قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). وقال -تعالى-: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [إبراهيم: ١٠].

قال العماد ابن كثير -رحمه الله تعالى-: هذا يحتمل شيئين: أحدهما: أفي وجوده شك؟ فإن الفطرة شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، والمعنى الثاني: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك؟ وهو الخالق لجميع الموجودات فلا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له. فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنون أنها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى اهـ ...

وقد تقدم أن لا إله إلا الله قد قيدت في الكتاب والسنة بقيود ثقال، منها: العلم واليقين والإخلاص والصدق والمحبة والقبول والانقياد والكفر بما يعبد من دون الله، فإذا اجتمعت هذه القيود لمن قالها نفعته هذه الكلمة، وإن لم تجتمع هذه لم تنفعه. والناس متفاوتون في العلم بها والعمل، فمنهم من ينفعه قولها، ومنهم من لا ينفعه كما لا يخفى (١) اهـ.

قلت: فهل بعد بيان هذا الحديث من بيان؟ وهل بعد برهانه من برهان؟ وهل بعد دلالته من دلالة؟ من أن العلم بالله -تعالى- هو أول واجب على الخلق وأن التوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من العلم الصحيح لمعنى الشهادتين، وهو المقصود بقوله، صلى الله عليه وسلم: "فإذا عرفوا الله". وهذا المعنى بفضل الله وهو معرفة الله المعرفة التي تدفع صاحبها إلى إفراد الله بالتأله


(١) قرة عيون الموحدين ص: ٤٨.

<<  <   >  >>