للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: انظر -رحمك الله- إلى قول القاضي أن مذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى وقول الإمام النووي في آخر حديثه معلقاً عليه أنه في نهاية الحسن.

فهذا مذهب أهل السنة أن النطق مرتبط بالمعرفة لا تنفع إحداهما دون الأخرى، وأن النطق بلا معرفة كالمعرفة بدون نطق كلاهما لا ينفع ولا ينجي صاحبه.

وقال الإمام النووي تعليقاً على حديث: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يتشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة" ... وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق ولا النطق دون الاعتقاد بل لا بد من الجمع بينهما وقد تقدم إيضاحه في أول الباب (١) اهـ.

التوحيد شرط الشفاعة:

قلت: وينص على هذا المعنى القطعي أنه لا ينجو من عذاب الخلود في النيران إلا من نطق بالشهادتين وانتهى عن الشرك والتزم التوحيد ظاهراً وباطناً الحديث الصحيح الصريح: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً". أخرجه مسلم.

قال النووي: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم: "فهي نائلة إن شاء الله -تعالى- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً" ففيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله -تعالى- لم يخلّد في النار وإن كان مصراً على الكبائر وقد تقدمت دلائله. وبيانه في مواضع كثيرة (٢) اهـ.

قلت: وكذلك الحديث الصحيح الصريح في هذه المسألة أيضاً وهو في صحيح مسلم: "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله -تعالى- أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود .... " (٣).


(١) صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ١ ص: ٢٣٧.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ٣ ص: ٧٥.
(٣) راجع صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ٣ ص: ٢٢.

<<  <   >  >>