للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الإسلام سَدَّ طُرُقَ الدجالين الذين يدَّعون الاطلاع عليها؛ كالمنجمين، والعرَّافين، والكُهَّان، ونحوهم، إلا أنه -استجابة لأشواق الفطرة- أطلعنا -من خلال نافذة الوحي- على كثير من هذه الأحداث (١).

إن إخفاء وقت الساعة له أثر بليغ في إصلاح النفس البشرية، فالأمر العظيم الذي يستيقن المرء وقوعه، ولكنه لا يدري متى يفجؤه؛ يجعل المرء مترقبًا له، متشوفًا إليه؛ لأن المجهول عنصر أساسٌ في حياة البشر، وفي تكوينهم النفسي، فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه، ولو كان كل شيء مكشوفًا لهم -وهم بهذه الفطرة- لَوَقَفَ نشاطهم، وأسنت حياتهم.

ثَالِثًا: أن الإخبار عن الغيوب المستقبلة -باعتبار ما فيها من خرقٍ للعادة- من أهم دلائل النبوة؛ حيث إنها تتضمن تَحَدِّيا لعقول البشر أجمعين، فهذه أمور غيبية لا تُدْرَكُ بالعقل، ولا يمكن معرفة كُنْهِها على الحقيقية إلا من خلال الوحي الصادق من الله تعالى إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد صدرت منه لا على أنها توقعات تعتمد على مقدمات تؤدي إلى نتائجها، وإنما هي حديث دقيق قاطع عن تفاصيل المستقبل المجهولِ، حديث لا يَخْرِمُهُ المستقبل، ولا في جزء


= والظنون؛ فإنه لا يَبْتَدِعُ التخيلات؛ كي لا يهدر طاقته العقلية فيما لا طائل من ورائه، ولكنه يتحمل عبء الغموض، ويصبر حتى يجعل الله له مخرجًا، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} الآايات [البقرة: ٢٦٠].
(١) انظر: "المقدمة" لابن خلدون، ص (٥٨٧، ٥٨٨).

<<  <   >  >>