للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضَّابِطُ الثَّالث: لا يمكِنُ إِسْقَاطُ النُّصُوصِ الَّتي يَطْرُقُهَا

الِاحْتِمَالُ عَلَى وَاقع مُعَيَّن إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِهَا وَاَنْقِضَائِهَا

إن تنزيل النصوص الشرعية المتعلقة بالفتن والملاحم على ما يقع من النوازل مع القطع بذلك دون شك ولا تردد؛ من الرجم بالغيب، ومن القول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وعن جُنْدَب -رضي الله عنه- قال: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرَعَةِ (١)، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، فَقُلْتُ: لَيُهْرَاقَنَّ الْيَوْمَ هَاهُنَا دِمَاءٌ، فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: «كَلَّا، وَاللهِ» قُلْتُ: بَلَى، وَاللهِ قَالَ: «كَلَّا، وَاللهِ» قُلْتُ: بَلَى، وَاللهِ قَالَ: «كَلَّا، وَاللهِ إِنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِيهِ»، قُلْتُ: بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ (٢) وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَنْهَانِي، ثُمَّ قُلْتُ: مَا هَذَا الْغَضَبُ؟ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ، فَإِذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ" (٣).

فتأمل! كيف خطَّأَ حذيفة جندبًا؟ لما جزم جندب بوقوع الأمر، وكيف سارع جندب إلى الرجوع عن قوله عندما تبين له أنه جزم بالأمر بدون علم (٤).


(١) الجَرَعَةُ: موضع بقرب الكوفة على طريق الحِيرة، ويوم الجرعة يوم خرج فيه أهلُ الكوفة يتلقون واليًا ولاه عليهم عثمان -رضي الله عنه-، فردوه، وسألوا عثمان أن يولي عليهم أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- فولَّاه. قاله النووي في "شرح صحيح مسلم " (١٨/ ١٨).
(٢) ورُوي: أحالفك بالحاء المهملة من الحَلِف الذي هو اليمين،. وكلاهما صحيح، لكن المهملة أظهر لتكرر الأيمان بينهما.
(٣) رواه مسلم في "صحيحه" رقم (٢٨٩٣) (٢٢١٩/ ٤).
(٤) انظر: "معالم في أوقات الفتن والنوازل "للشيخ عبدى العزيز السدحان ص (٥٥).

<<  <   >  >>