للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الإمام الجويني: "ما ابتعث الله نبيَّا في الأمم السالفة حتى أيَّده، وعضَّده بسلطان ذي عدة ونجدة، ومن الرسل -عليهم السلام- مَن اجتمعت له النبوة، والأيد، والقوة؛ كداود، وموسى، وسليمان -صلوات الله عليهم أجمعين-" (١).

فإذا كان الأنبياء يؤيَّدون "بثروة من قومهم"؛ وهي القوة والمنعة في العدد والعدة، وهم مع ذلك مُؤَيَّدونَ بالمعجزات وخوارق العادات، فكيف بغيرهم الذين يرومون التغيير بالعشرات أو المئات (٢)، ويقولون نحن نتوكل على الله؟! لا شك أن المسلم يطلب العون من الله، ويتوكل عليه، والله -سبحانه- وعد المسلمين بالنصر، ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب الشرعية، ومن أهمها تجميع القوى التي تناصر وتعاضد.

هل درسنا هذا الموضوع بعمق وأناة، أم أن مقولة: "نعمل والنتائج على الله"، لا تزال هي الشائعة، والأكثر قبولًا ورواجًا، مع أنها ظاهريًّا صحيحة؛ فهي كلمة حق تُسْتَخْدَمُ في غير محلِّها؛ فالقول بأننا نعمل يجب أن يُمَحَّصَ؛ إذ ما يدريك أن عملك صواب، قد أَخَذْتَ فيه بالأسباب؟ نعم، إذا بُذِلَ الجهد الصحيح؛ فالنتائج على الله، أما أن يُعمل أيُّ عمل، ثم يقالَ: "النتائج على الله"؛ فهذا ضرب من حب


(١) "غياث الأمم"، ص (١٨٢).
(٢) وقد نعت ابن خلدون هذا الصنف من المغامرين بقوله: "أخذوا أنفسهم بإقامة الحق، ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته". اهـ. من "مقدمة ابن خلدون" ص (١٥٩)، ط. دار القلم ١٩٨١م.

<<  <   >  >>