للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لأنه في النهاية يكون كشجرة نبتت، ونمت، وتحطمت، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} القصص: ٨٥، فلابد أن يردك إلى معادٍ تجازى على عملك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر" (١).

[- سبب جعل الرسل من البشر]

يبين الشيخ - رحمه الله - سبب ذلك، فيقول: " أما إرسالهم من البشر؛ فلأن ذلك أكمل في إقامة الحجة؛ لكونهم من جنسهم يستطيعون التفاهم معهم وسؤالهم عما يهمهم ويتمكنون من فهم كلامهم؛ لقول الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)} الإسراء: ٩٤ - ٩٥، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} إبراهيم: ٤" (٢).

ويقول الشيخ - رحمه الله - كذلك: " وإرسال الله الرسل ليس مستحيلاً في نفسه، ولا عبثاً حتى يجافي حكمة الله؛ بل هو جائز عقلاً، داخل في نطاق قدرة الله الشاملة وإرادته النافذة .. وإن الفطر السليمة التي فطر الله عليها الناس لا تستبعد أيضاً ما مضت به سنة الله في عباده، وقضت به حكمته وعدله في خلقه من إرساله سبحانه رسلاً مبشرين ومنذرين .. وليس بدعاً أن يختار الله نبياً من البشر، ويبعث في الناس رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، بل ذلك مقتضى الحكمة وموجب العقل وما جرت به سنة الله في أنبيائه .. وشاء الله أن يكون سكان الأرض من البشر؛ فاقتضت حكمته أن يكون رسوله إليهم من جنسهم، بل اقتضت حكمته ما هو أخص من ذلك وأقرب إلى الوصول للغاية وتحصيل المقصود من الرسالة .. ومن نظر في آيات القرآن، وعرف تاريخ الأمم؛ تبين له أن سنة الله في عباده أن يرسل إليهم رسلاً من أنفسهم" (٣).


(١) القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ١٠).
(٢) فتاوى اللجنة (٣/ ٢٥٨ - ٢٥٩).
(٣) الحكمة من إرسال الرسل (١٣ - ٢٣) باختصار؛ وينظر: مذكرة التوحيد (٥٦ - ٥٩).

<<  <   >  >>