للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أنكر نزوله بعد رفعه كان راداً للأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول عند علماء المسلمين الشاهدة شهادة صريحة بنزوله ودعوته إلى الحق وحكمه به وقتله الخنزير وكسره الصليب .. إلخ ما ثبت من أحواله بعد نزوله.

وكلا الأمرين لا مخلص منه إلاَّ بالقول بما قال به أهل السنة والجماعة من إنجاء الله عيسى من كيد اليهود ورفعه إليه بدناً ورحاً، وإنزاله آخر الزمان حكماً عدلاً" (١).

سبق إثبات أن عيسى - عليه السلام - لم يمت بل رفعه الله إليه، وقد دلت الآيات القرآنية على نزوله إلى الأرض في آخر الزمان، وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن:

"الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)} النساء: ١٥٩، فقد دلت الآية على أنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده، وذلك سيكون قبل موت عيسى، ومعلوم أن هذا لم يقع حتى الآن، مما يعني أنه مما سوف يقع فيما نستقبله من الزمان، لأن الآية جاءت في سياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليمه.

الثاني: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} الزخرف: ٦١، فإن الآيات قبلها كانت تتحدث عن عيسى عليه السلام، ولذا فإن الضمير في هذه الآية يعود إليه، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها، لأنه ينزل قبيل قيامها، ومما يدل على ذلك القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَمٌ للساعة} بفتح العين واللام أي: علامة وأمارة، وهي مروية عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أئمة التفسير.

الثالث: قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} آل عمران: ٤٦، وفي هذا الآية عدد الله تعالى بعض خصائص عيسى ودلائل نبوته، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك، وذكر منها كلامه وهو كهل، والكهولة سن بداية ظهور الشيب، فما هو وجه كون كلامه وهو كهل من الآيات، والكلام من الكهل أمر مألوف معتاد؟! وكيف يحسن الإخبار به لا سيما في مقام البشارة؟! لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً، وهذه الحالة


(١) ينظر: فتاوى اللجنة (٣/ ٢٩٣ - ٣٠٥، ٣٥٢).

<<  <   >  >>