للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجود الشياطين وضوحاً تاماً، وأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك ما لم يعطِ غيره من معرفة منطق الطير، وخدمة الجن والإنس له، والريح تجري بأمره، وإسالة عين القطر، وإلانة الحديد ونحوها من خوارق العادات استجابة له: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)} ص: ٣٦ - ٣٧ (١).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " فإنه لا ريب أن الله خص الأنبياء بخصائص لا توجد لغيرهم، ولا ريب أن من آياتهم ما لا يقدر أن يأتي به غير الأنبياء، بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الأنبياء، كالعصا واليد لموسى، وفرق البحر فإن هذا لم يكن لغير موسى، وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأنبياء، وكالناقة التي لصالح فإن تلك الآية لم يكن مثلها لغيره، وهو خروج ناقة من الأرض بخلاف إحياء الموتى، فإنه اشترك فيه كثير من الأنبياء بل ومن الصالحين، وملك سليمان لم يكن لغيره كما قال، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)} ص: ٣٥، فطاعة الجن والطير وتسخير الريح تحمله من مكان إلى مكان له ولمن معه، لم يكن مثل هذه الآية لغير سليمان، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) (٢)،

وهو من حين أتى بالقرآن وهو بمكة يقرأ {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} الإسراء: ٨٨، فقد ظهر أن من آيات الأنبياء ما يختص به النبي، ومنها ما يأتي به عدد من الأنبياء، ومنها ما يشترك فيه الأنبياء كلهم ويختصون به، وهو الإخبار عن الله بغيبه الذي لا يعلمه إلا الله قال، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ


(١) ينظر: تاريخ الأنبياء والرسل والارتباط الزمني والعقائدي (٢٣٩ - ٢٤٨)، تفسير السعدي (١/ ٧١٣)، تفسير القرطبي (١٥/ ٢٠٥)، فتح الباري (٦/ ٤٥٩).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، برقم (٤٩٨١)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - برقم (١٥٥) ..

<<  <   >  >>