للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذكر اسم الإيمان ههنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل، وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان ولابد.

والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة، وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والهداية (١) ... فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل" (٢).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: " وحقيقة التوكل على الله: أن يعلم العبد أن الأمر كله لله، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه هو النافع الضار المعطي المانع، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فبعد هذا العلم يعتمد بقلبه على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه، وفي دفع المضار، ويثق غاية الوثوق بربه في حصول مطلوبه، وهو مع هذا باذل جهده في فعل الأسباب النافعة.

فمتى استدام العبد هذا العلم وهذا الاعتماد والثقة فهو المتوكل على الله حقيقة، وليبشر بكفاية الله له ووعده للمتوكلين، ومتى علق ذلك بغير الله فهو مشرك، ومن توكل على غير الله، وتعلق به، وكل إليه وخاب أمله" (٣).

وليس معنى التوكل -كما يفهمه البعض (٤) - ترك الأسباب وعدم مباشرتها، بل ذلك لا ينافيه ولا يبطله إذ الأخذ بالأسباب مطلوب شرعاً وعقلاً، والعمل بها دليل على صحة التوكل وفهم حقيقته.

وفي بيان هذا يقول ابن أبي العز - رحمه الله -: " وقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب، وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة، فلا حاجة إلى الأسباب! وهذا


(١) وقد ساق - رحمه الله - النصوص القرآنية الشاهدة على ذلك.
(٢) طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص ٤٢٣ - ٤٢٧).
(٣) القول السديد (ص ١٢٢).
(٤) كبعض المتصوفة مثلاً، ينظر: جملة من أقاويلهم وطرفاً من حكاياتهم في ذلك: الرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (١/ ٤٦٥ - ٤٨٧).

<<  <   >  >>