للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٧ - عفوك اللهم]

الشافعي

حدَّثَ المزنيُّ قال: دخلتُ على الشافعيِّ في مرضِه الذي مات فيه فقلتُ: كيفَ أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ من الدنيا راحلًا، وللإخوانِ مفارقًا، ولكأسِ المنيةِ شاربًا، وعلى اللهِ ـ جل ذكرُه ـ واردًا، ولا واللهِ ما أدري روحي تصيرُ إلى الجنةِ أم إلى النارِ؟ ثم بَكَى وأنشأَ يقولُ:

إليك إلهَ الخلقِ أرفعُ رَغْبَتِي ... وإن كنتُ ياذا المنِّ والجودِ مجرمًا

ولما قَسَا قَلْبِي وضاقتْ مذَاهِبي ... جَعَلْتُ الرَّجا مِني لِعفُوِكَ سُلَّمًا

تعاظَمَنِي ذَنْبِي فلمَّا قرنتُهُ ... بعفوِكَ ربِّي كَانَ عفوُكَ أعظَمَا

فما زلتَ ذا عفوٍ عَنِ الذنبِ لم تَزَلْ ... تجُودُ وتعفُو مِنَّةً وتكرُّمَا

فلولاكَ لم يَصْمُدْ لإبليسَ عابدٌ ... فكيفَ وَقْدَ أَغْوَى صَفِيَّكَ آدمَا

فيا ليت شِعْري هل أصيرُ لجنَّةٍ ... أُهَنّا وإمَّا للسعيرِ فأنْدَما

فَلِلهِ درُّ العارفِ الندْبِ إنَّهُ ... تفيضُ لفرطِ الوَجْدِ أجفانُهُ دمَا

يُقيمُ إذا ما الليلُ مدَّ ظلامَهُ ... على نفسهِ من شِدَّةِ الخَوْفِ مأتمَا

فصيحًا إذا ما كان في ذِكْرِ ربِّهِ ... وفي ما سِوَاهُ في الوَرَى كان أَعْجَمَا

ويذكُرُ أيامًا مضَتْ من شَبَابهِ ... وما كان فيها بالجهَالةِ أجْرَما

فصارَ قرينَ الهمِّ طولَ نهارِهِ ... أخا السُّهدِ (١) والنجوى إذا الليلُ أظلمَا


(١) السهد: قلة النوم.

<<  <   >  >>