للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أسمائِه الحسنى (الجميلُ). وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ» (١).

وجمالُه سبحانَه على أربعِ مراتِبٍ: جمالُ الذاتِ، وجمالُ الصفاتِ، وجمالُ الأفعالِ، وجمالُ الأسماءِ. فأسماؤُه كلُّها حُسْنَى، وصفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ، وأفعالُه كلُّها حكمةٌ ومصلحةٌ وعدلٌ ورحمةٌ. وأمَّا جمالُ الذَّاتِ، وما هو عليه، فأمرٌ لا يُدْرِكُهُ سِوَاهُ، ولا يعلمُه غيرُه، وليسَ عندَ المخلوقينَ منه إلا تعريفاتٌ تَعَرَّفَ بها إلى مَنْ أَكْرَمَهُ من عبادِه، فإنَّ ذلكَ الجمالَ مصونٌ عن الأغيارِ محجوبٌ بسترِ الرداءِ والإزارِ، كما قال رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يُحْكَى عنه: «الكبرياءُ رِدَائي، والعظمةُ إزاري» (٢). ولما كانت الكبرياءُ أعظمُ وأوسعُ كانتْ أَحَقَّ باسمِ الرداءِ؛ فإنه سبحانَه الكبيرُ المتعالِ، فهو سبحانَه العليُّ العظيمُ.

قال ابنُ عباسٍ: حجبَ الذاتَ بالصفاتِ، وحجبَ الصفاتِ بالأفعالِ، فما ظنُّكَ بجمالٍ حُجِبَ بأوصافِ الكمالِ وسُتِرَ بنعوتِ العظمةِ والجلالِ؟!

ومن هذا المعنى يُفْهَمُ بعضُ معانِي جمالِ ذاتِه؛ فإنَّ العبدَ يترقَّى من معرفةِ الأفعالِ إلى معرفةِ الصفاتِ، ومن معرفةِ الصفاتِ إلى معرفةِ الذاتِ. فإذا شاهدَ شيئًا من جمالِ الأفعالِ، استدلَّ به على جمالِ الصفاتِ، ثم استَدَلَّ بجمالِ الصفاتِ على جمالِ الذاتِ.


(١) رواه مسلم (١٤٧)، والترمذي (١٩٩٩).
(٢) مسلم (٦٢٠)، وأبو داود (٣٥٦٧).

<<  <   >  >>