للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (١). وقال تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٢). وقال في هذه الآية الكريمة: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي: جهرًا وسرًا {لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ} أي: من هذه الضائقة {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي: بعدها، {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ} أي: بعد ذلك {تُشْرِكُونَ} أي: تدعون معه في حال الرفاهية آلهة أخرى» (٣).

وقال د. الزحيلي في تفسير هذه الآية: «لا يثبت الإنسان غالباً على العهد، ولا يفي بالوعد، ولا يستقر على حال الاستقامة، فتراه بطبعه غداراً خائناً، يلجأ إلى الله وقت الشدة والخوف، وينسى الله بعد النجاة، ويعود إلى ضلالة وجهله. والواجب الذي يمليه العقل والوفاء بالجميل والإخلاص أن يستمر الإنسان على أصل العقيدة الصحيحة والإيمان الحق والعبادة لمن أنعم عليه بجلائل النعم ودقائقها، لا سيما في أحوال الأزمات والمحن.

وهذه حال من الأحوال التي ذكرتها الآية: وهي إذا أخطأتم الطريق وخفتم الهلاك ودعوتم الله، وأقسمتم: لئن أنجانا الله من هذه الشدائد، لنكونن من الطائعين المستقيمين.

وهذا توبيخ من الله لأولئك المشركين في دعائهم إياه عند الشدائد، ثم يدعوه معه غيره في حالة الرخاء، كما قال: {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ}.


(١) سورة يونس، الآية: ٢٢.
(٢) سورة النمل، الآية: ٦٣.
(٣) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ٣/ ٢٦٨.

<<  <   >  >>