للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيام الحياة والممات. وكل ما ذكر من كل الدواب وأرزاقها ومستقرها ومستودعها ثابت مكتوب في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه جميع مقادير الخلق.

وهذا دليل على أن الله تعالى متكفل بأرزاق المخلوقات كلها، وقد أوجب ذلك على نفسه بكلمة على المفيدة للوجوب تفضلاً منه ورحمة، إلا أن الرزق بمقتضى سنته تعالى في الكون خاضع لمبدأ ارتباط الأسباب بالمسببات، أي أن الحصول على الرزق مرتبط بالسعي والعمل، بعد توافر الإلهام المودع في الخلائق، وهدايتهم إلى الطلب والتحصيل، كما قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (١).

ومن الآيات التي تدل على ضرورة أن يثق المسلم في تكفل الله برزقه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (٢).

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: «أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا إلا أن ييسره الله عليكم، ولهذا قال تعالى: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} فالسعي في السبب لا ينافي التوكل وفي الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» (٣). فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عزَّ وجلَّ وهو المسخر المسير المسبب» (٤).


(١) سورة طه، الآية: ٥٠.
(٢) سورة الملك، الآية: ١٥.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ١/ ٣٠،رقم ٢٠٥، وقال الأرنؤوط: إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن هبيرة فمن رجال مسلم (١/ ٣٠).
(٤) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ٨/ ١٧٩.

<<  <   >  >>