للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يراه ناسوت في الدنيا، ولا يكلمه بشر إلا من وراء حجاب، كما صرح بذلك المسيح وسائر الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم ـ فلأن لا يستطيع ملابسته ناسوت بطريق الأولى، لأن ملابسة الشيء أبلغ من رؤيته (١).

ومن هذا الاعتبار أيضا إثبات الإنباء قياسا على التعليم، فإن قدرة الرب على تعليم بني آدم بعد الجهل دليل على قدرته على إنباء أكملهم من باب أولى، لأن من قدر على تعليم الناقص فقدرته على تعليم الأكمل أولى وأحرى. وهذا دليل عقلي على إمكان النبوة، وأما وجود الأنبياء وآياتهم فتعلم بالنقل المتواتر (٢).

والاعتبار بين صفات الخالق بابه واسع، فإنه يجوز فيه استعمال قياس الأولى والمساواة، لأنه لا يتضمن محذورا ولا يفضي إليه بوجه من الوجوه، وقد تضمنت النصوص كلا النوعين، فمن قياس المساواة بين صفات الله تعالى قياس البعث على إحياء الأرض الموات، ومن قياس الأولى بينها قياس الإعادة على ابتداء الخلق.

أما الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق فقد احتاط فيه علماء السلف حيطة تامة، فمنعوه إذا كان قياس مساواة سواء أكان تمثيلا أم شمولا، لما يتضمنه من التمثيل والشرك، والعدل بالله، وهو ضرب الأمثال لله. وأجازوه إذا كان على وجه الأولى، جريا على طريقة القرآن والسنة، واعتمادا على ما تقدم ذكره آنفا من أدلة، ولهذا استعملوه في تقرير وتقريب أصول الإثبات والتنزيه، وفي الاستدلال


(١) انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية ٣/ ١٤٨ - ٣١٨ - ٣٢٢، ٤/ ١٠.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٦/ ٣٦٢.

<<  <   >  >>