للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البغدادي من تعطيل الصفات الخبرية بإطلاق، ولهذا كان بعض أعلام الأشاعرة من بعده يثبتون الوجه واليدين والعين، ويؤولون القدم والأصابع ونظائرها، وأبرز مثال على ذلك الإمام البيهقي (١).

وحين جاء أبو المعالي الجويني وافق البغدادي على تعطيل الصفات الخبرية بإطلاق، وقرر ذلك في كتابه "الشامل" ومختصره "الإرشاد"، وتلقاه الأشاعرة بالقبول، واستقر مذهبهم على ما في "الإرشاد" حتى قيل: إنه أصل طريقة المتقدمين! (٢)، وهي عبارة فيها تجاوز كبير، إذا كان المقصود بها ما يعم من قبله من أئمة مذهبه، لأن الجويني عطل ما أثبته قدماء الأشاعرة من الصفات الخبرية، واختار فيها إما التأويل كما في "الإرشاد"، أو التفويض كما في "النظامية"، وجنح بالمذهب نحو الاعتزال في المنهج والتأويل، حتى أنه كان يترك تأويلات الأشاعرة ويختار ما كان يبطله أئمة مذهبه من تأويلات المعتزلة! وأبرز مثال على ذلك صفة الاستواء، فقد أَوَّلها بالاستيلاء مع أن الأشاعرة كانوا لا يقبلون هذا التأويل البتة! (٣).

وقد تتلمذ على الجويني مجموعة من أعلام الأشاعرة أشهرهم وأكثرهم نبوغا أبو حامد الغزالي، وهو أول من مزج المنطق بعلوم المسلمين، وأدخل الرد على الفلاسفة في عقيدة الأشاعرة، ونشأ عن ذلك ما يعرف عندهم بطريقة المتأخرين، وهي تخالف كثيرا مما


(١) انظر: الاعتقاد للبيهقي ص٤٠ - ٤٣، موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص٥٨٠ - ٥٩١.
(٢) انظر: مقدمة ابن خلدون ص٤٦٥، ٤٦٧.
(٣) انظر: أصول الدين للبغدادي ص١١٢، العقيدة النظامية للجويني ص٣٢ - ٣٥، درء التعارض لابن تيمية ٢/ ١٢ - ٢٠، موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود ص٦٠٠ - ٦٢٢.

<<  <   >  >>