للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما عذبته» فيكون مختالاً يتخيل في نفسه أنه عظيم كبير وأن أمره ونهيه وفعله بالنسبة إلى الله تعالى من جنس أمر الخليفة النائب عن غيره ومن جنس نهيه وفعله، وهذا شرك وكذب وضلال وكبرياء واختيال، وذلك أن الخليفة عن غيره يأمر وينهى ويفعل أموراً لم يدر بها المستخلف ولم يقدر عليها ولا يكون أمر بها ونهى، بل يكون أمر هذا من جنس أمر الأول كالوكيل مع موكله وكالوصي مع الموصي، وهؤلاء بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ولهذا جاءت الشريعة بذلك فجعل الفقهاء الشركة في التصرف مبنية

على الوكالة وأن الشريك يتصرف لنفسه بحكم الملك ولشريكه بحكم الوكالة والنيابة، وأما الوصي فهو أبلغ من هذا لأنه يتصرف بعد انقطاع أمر الموصي بالموت ولهذا يكون له من الاستقلال ما ليس للوكيل والشريك حتى تنازع الفقهاء في جواز توصيته فأجاز ذلك من منع توكيل الوكيل، وحتى أجازوا له من التصرفات ما لا يجوز للوكيل، وهكذا خلفاء ولاة الأمور مثل خليفة الإمام الكبير ذي الإمامة الكبرى وخليفة الحاكم وخليفة إمام الصلاة وغير ذلك، كل من هؤلاء يفعل من جنس ما يفعله مستخلفه، وكل هذا في حق الله ممتنع، واعتقاد ذلك في حق أحد هو من أعظم الشرك ومن باب اتخاذ البشر أرباباً قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)} [آل عمران: ٧٩ - ٨٠].

يبين ذلك أن أعظم الخلق منزلة عند الله هم رسله، والرسل إنما