للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينهون عن المنكر، فإنه لا يقال: خلق هؤلاء على صورهم، بل يقال: أبقاهم على صورهم، وأبقى صورهم، أو لم يمسخهم، وهذا لما تقدم من أن هذا اللفظ لا يقال إلا فيما تقدمت الصورة على خلقه لا فيما تأخرت.

وأيضاً فهذا من الأمر المعروف الظاهر لكل أحد أن مضمونه أن صورة آدم كانت كهذه لم تمسخ وما من الناس إلا من يعرف هذا كما يعرف آدم، يقول (١) القائل لهذا كقوله: إن آدم كان له وجه وعينان وأذنان ويدان وساقان، وهذا من الكلام السمج، وأيضاً فالإخبار بما ذكره من مسخ غير آدم غير معلوم ولا مذكور.

وأيضاً فإن الله تعالى قد أخبر أنه تاب على آدم واجتباه وهو في الجنة قبل إهباطه إلى الأرض فزال عنه العقاب قبل هبوطه.

وأما التأويل الثاني وقوله أن فيه إنكار قول الدهرية الذين يقولون: إن الإنسان لا يتولد إلا من نطفة ودم الطمث.

فيقال له قد أخبر الله في كتابه أنه خلق آدم من الماء والتراب ومن الطين ومن الحمأ المسنون، فهذه نصوص ظاهرات متواترات يسمعها العام والخاص تبين أنه لم يخلق من نطفة ودم طمث وتبطل هذا القول إبطالاً بيناً معلوماً بالاضطرار، فأما قول القائل إن آدم خلق على صورة آدم فليس في هذا القول دلالة على نفي كونه مخلوقاً من غيره أصلاً، وقوله: خلق آدم على صورته ابتداء من غير تقدم نطفة ثم علقة ثم مضغة، يقال له: خلق بعد تقدم تراب وطين وصلصال، ودلالة اللفظ على نفي هذا المتقدم كدلالته على نفي ذلك المتقدم، فإن كان قوله خلق آدم على صورة آدم يقتضي خلقه ابتداء من غير تنقل أحوال فهو ينفي


(١) كذا في المخطوطة ولعله فقول القائل.