للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار, من القتل والسباء, فذلك خداعه ربه وأهل الإيمان بالله».

فإن قال قائل: وكيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية؟

قيل: لا تمتنع العرب من أن تسمي من أعطي بلسانه غير الذي هو في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف, فنجا بذلك مما خافه مخادعاً لمن تخلص منه بالذي أظهر له من التقية, فكذلك المنافق سمي مخادعاً لله وللمؤمنين بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية مما تخلص به من القتل والسباء والعذاب العاجل, وهو لغير ما أظهر مستبطن, وذلك من فعله - وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها, ويسقيها كأس سرورها. وهو موردها به حياض عطبها, ومجرعها به كأس عذابها ومزيرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به, فذلك خديعته لنفسه ظناً منه - مع إساءته إليها في أمر معادها - أنه إليها محسن, كما قال جل ثناؤه (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون). إعلاماً منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم ربهم بكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين, ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون.

ثم قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال سألت عبد الرحمن بن زيد عن قول الله جل ذكره (يخادعون

<<  <   >  >>