للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون.

وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنُف، أي: مستأنف. وهذا القول أول ما حدث في الإسلام، بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وبعد إمارة معاوية بن أبي سفيان، في زمن الفتنة، التي كانت بين ابن الزبير وبني أمية، في آخر عصر عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهما من الصحابة.

وكان أول من ظهر ذلك عنه بالبصرة: معبد الجهني، فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرءوا منهم، وأنكروا مقالتهم، ثم لما كثر خوض الناس في القدر، صار جمهورهم يقر بالعلم المتقدم، والكتاب السابق، ولكن ينكرون عموم مشيئة الله، وعموم خلقه وقدرته، ويظنون أنه لا معنى لمشيئته إلاَّ أمره، فما شاء فقد أمره به، وما لم يشأ لم يأمر به، فلزمهم أنه قد يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء. وأنكروا أن يكون الله خالقًا لأفعال العباد، أو قادرًا عليها، أو أن يخص بعض عباده من النعم مما يقتضي إيمانهم به، وطاعتهم له.

وزعموا أن نعمته التي بما (١) يمكن الإيمان والعمل الصالح

على الكفار كأبي جهل، وأبي لهب، مثل نعمته بذلك على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بمنزلة رجل دفع إلى والديه بمال قسمه بينهم بالسوية، ولكن هؤلاء أحدثوا أعمالهم الصالحة، وهؤلاء أحدثوا أعمالهم الفاسدة،

من غير نعمة خصَّ الله بها المؤمنين، وهذا قول باطل، وقد قال

الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم

بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:

١٧]. وقال: {كِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ


(١) هكذا بالأصل ولعلها، بها.

<<  <   >  >>