للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، وذلك مثل قولهم: ليس بمتحيز ولا في جهة، ولا كذا ولا كذا، فإن هذه ألفاظ مجملة متشابهة يمكن تفسيرها بوجه حق، ويمكن تفسيرها بوجه باطل، فالمطلقون لها يوهمون عامة المسلمين أن مقصودهم تنزيه الله عن أن يكون محصورًا في بعض المخلوقات، ويفترون الكذب على أهل الإثبات، إنهم يقولون ذلك يقول بعض قضاتهم (١) لبعض الأمراء: إنهم يقولون: إن الله في هذه الزاوية. وقول آخر من طواغيتهم: إنهم يقولون: إن الله في حشو السموات، ولهذا سموا حشوية (٢)، إلى أمثال هذه الأكاذيب التي


(١) لعل الشيخ -رحمه الله- يشير إلى القاضي ابن دؤاد.
يقول الشيخ -رحمه الله- مشيرًا إلى هذا المعنى: "فإن كثيرًا من النفاة وإن كان مشهورًا عند الناس بعلم أو مشيخة أو قضاء أو تصنيف، قد يظن أن قول من قال: إنه في السماء أو في جهة، معناه أن السموات تحيط به وتحوزه، وكذلك إذا قال: متحيز. يظن أن معناه التحيز اللغوي، وهو كونه تحيز في بعض مخلوقاته، حتى ينقلون ذلك عن منازعهم، إما عمدًا، أو خطأ، وربما صغروا الحيز حتى يقولوا: إن الله في هذه البقعة، أو هذا الموضع، أو نحو ذلك من الأكاذيب".
راجع:
بيان تلبيس الجهمية ٢/ ١٣.
(٢) الحشو من الكلام: الفضل الذي لا يعتمد عليه، وكذلك هو من الناس، وحشوة الناس: رُذالَتُهم.
انظر: لسان العرب -لابن منظور- ١٤/ ١٨٠ (حشا).
وهذه التسمية أول من ابتدعها المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم: الحشو، كما تسميهم الرافضة: الجمهور، ولفظ "حشوية" -كما يقول شيخ الإِسلام- ليس له مسمى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، ولكن يذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ: عمرو بن عبيد -رئيس المعتزلة- فإنه ذكر له عن ابن عمر شيء يخالف قوله، فقال: كان ابن عمر حشويا، نسبة إلى الحشو، وهم العامة والجمهور، وأصل ذلك أن كل طائفة قالت قولًا تخالف به الجمهور والعامة ينسب إلى أنه قول "الحشوية" =

<<  <  ج: ص:  >  >>