للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلو والسفل، فليس للعالم إلّا جهتان:

أحدهما: العلو، وهو جهة السموات وما فوقها.

و [الأخرى] (١): السفل، وهو جهة الأرض وما تحتها وفي جوفها، وعلى هذا المعنى فكل ما كان خارج العالم مباينًا للعالم فهو فوقه، وهو في الجهة العليا، فالباري -تعالى- إما أن يكون مباينًا للعالم منفصلًا عنه، أو لا يكون مباينًا له منفصلًا عنه، فإن كان الأول (٢) كان خارجًا عنه عاليًا عليه بالجهة العليا، وإن كان الثاني كان حالًا في العالم قائمًا به محمولًا فيه.

قال هؤلاء: وهذا كله معلوم بالفطرة العقلية، فالباري قبل أن يخلق العالم كان هو وحده سبحانه لا شريك له، ولما خلق الخلق فإنه لم يخلقه في ذاته، فيكون هو محلًا للمخلوقات، ولا جعل ذاته فيه فيكون مفتقرًا محمولًا قائمًا بالمصنوعات، بل خلقه بائنًا عنه فيكون فوقه وهو بجهة (٣) العلو.

وقد بسطنا كلام هؤلاء وخصومهم في الحكومة العادلة، فيما ذكره الرازي في تأسيسه من المجادلة (٤).

وإذا كان كذلك، فالداعي للناس إلى اعتقاد نفي الجهة، إما أن يدخل معهم في هذه الدقائق ويكشف هذه الحقائق، وإما أن يعرض عن هذه ويقف عند الجمل التي وقف عليها (٥) المؤمنون، فأما أن يدعو (٦) إلى قول لا يبين حقيقته وأقسامه، ولا يبين حجته التي تصحح مرامه


(١) ما بين المعقوفتين إضافة تناسب الكلام.
(٢) في س: "للأول" وهو تصحيف.
(٣) في س: "الجهة". وفي ط: "جهة".
(٤) راجع "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية ٢/ ١٢١.
(٥) في الأصل، ط: "التي عليها"، والمثبت من: س، ولعله المناسب.
(٦) في الأصل، س: "يدعوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>