للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولايات ومنع قبول الشهادة، وترك افتدائهم من أسر العدو، إلى غير ذلك من العقوبات التي إنما تصلح لمن خرج عن الإِسلام، وبدّلوا بذلك الدين نحو تبديل كثير من المرتدين، فأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون (١) لومة لائم، فجاهدوا في الله حق جهاده، متبعين سبيل الصديق وإخوانه الذين جاهدوا المرتدين (٢)، بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وسم المسلمون بالإمامة، وبأنه الصديق الثاني، من كان أحق بهذا التحقيق عند فتور الواني.

فإن أولئك الجهمية جعلوا المؤمنين كفارًا مرتدين، وجعلوا ما هو من الكفر والتكذيب للرسول إيمانًا وعلمًا، ولبسوا على الأئمة والأمة الحق بالباطل، وكانت فتنتهم في الدين أعظم ضررًا من فتنة الخوارج المارقين (٣)، فإن أولئك -وإن كفروا المؤمنين واستحلوا دماءهم


(١) في ط: "يخالفون".
(٢) بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة إحدى عشرة من الهجرة، ارتد بعض قبائل العرب، وامتنعوا عن دفع الزكاة، فأشار بعض الصحابة على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وعنهم- بتركهم وتأليفهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك، وأصر على قتالهم، وقال: ". . . والله، لو منعوني عناقًا- وفي رواية: عقالًا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. . . ".
وقد ذكرت أحداث الردة مفصلة في: تاريخ الطبري- ٣/ ٢٢٣ فما بعدها.
الكامل لابن الأثير- ٢/ ٣٤٢ فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير ٦/ ٣٥٠ - ٣٥٤. وفي كثير من المراجع الأخرى.
(٣) الخوارج: تقدم التعريف بهم ص: ١٧٦.
المارقة: الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه.
والمروق: سرعة الخروج من الشيء، ومنه سميت الخوارج مارقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>