للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا قولهم: المتكلّم مَنْ فعل الكلام، فقد نازعهم فيه طائفة من الصفاتية (١) وقالوا: بل المتكلم من قام به الكلام وإن لم يفعله كما يقوله الكلابية (٢) والأشعرية (٣)، وبين الفريقين في ذلك نزاع طويل (٤).

وأمَّا السلف والأئمة وأكثر النَّاس فلم ينازعوهم هذا النزاع، بل قالوا: الكلام وإن قيل: إنه فعل للمتكلم، فلا بد أن يكون قائمًا به، فلا يكون الكلام كلامًا لمتكلم يمتنع أن يقوم به الكلام، وجميع المسموع من اللغات والمعلوم في فطرة البريات يوافق ذلك.

وأمَّا تكلم الجني على لسان الإنسي فلا بد أن يقوم بالجني كلام، ولكن تحريكه مع ذلك لجوارح الإنسي يشبه تحريك روح الإنسي لجوارحه بكلامه، ويشبه تحريك الإنسان بكلامه وحركته وتصويته كما يصوت بقصبة (٥) ونحوها، مع أنَّه في ذلك كله قد قام به من الفعل ما يصح به نسبته (٦) ذلك إليه.

وقولهم: المتكلم من فعل الكلام وإن كان قائمًا بغيره: كلام


(١) عرف بهم الشَّيخ -رحمه الله- فيما تقدم. راجع ص: ٢٦٩.
(٢) الكلابية هم: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب.
وقول ابن كلاب وأتباعه في كلام الله، ذكره الشَّيخ -رحمه الله- في الفتاوى ١٢/ ٤٩ فما بعدها ورد عليه.
كما ذكر رأيهم -أيضًا- أبو الحسن الأشعري في المقالات ٢/ ٢٥٧، ٢٥٨.
والجويني في الإرشاد ص: ١١٩، ١٢٠.
(٣) في س: "الأشرية". وهو تصحيف. وقد تقدم التعريف بهم ص: ٢٠٢.
(٤) ذكره أبو المعالي الجويني في الإرشاد ص: ١٠٩ - ١١٨، حيث عقد لذلك فصلًا قال فيه: "المتكلم من قام به الكلام" وذكر في هذا الفصل رأي المعتزلة، وأن المتكلم عندهم من فعل الكلام، وناقشهم في قولهم هذا.
(٥) في الأصل: "يصيح بقصته". والمثبت من: س، ط.
(٦) في الأصل: "نسبته". والمثبت من: س، ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>