للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغنموا مغانم كثيرة، وخذل التتار وولوا مدبرين (١).

وفي سنة ٧٠٥ هـ، كان لجماعة من التتار صولة على جيش حلب، فخرج الشَّيخ أبو العباس ومعه طائفة من الجيش لغزوهم، ثم تبعه نائب السلطان بما بقي من الجيوش الشامية، وقد أبان الشَّيخ -رحمه الله- في هذه الغزوة علمًا وشجاعة ملأت قلوب أعدائه حسدًا وغمًّا (٢).

فمن هذا العرض الموجز نجد أن حياة المسلمين السياسية في الفترة التي عاش فيها الشَّيخ مضطربة، وقد أدى تلاحق الحوادث والحروب إلى عدم استقرارها، ودفع بخيرة أبناء البلاد إلى الحرب والجهاد.

هذا بالنسبة للوضع السياسي خارج دولة المماليك.

أما في الداخل: فكان حكمهم يزخر بالفتن والاغتيالات والمؤامرات، فما أن تهدأ الأمور وتسير في صالح سلطان حتَّى يتطاول عليه أمير من الأمراء محاولًا اغتصاب السلطة. . . وهكذا، فالقوة كانت إحدى مميزات هذه العصر (٣)، ممَّا جعل السلاطين يعيشون في وضع غير مستقر، لما يلاقونه ويتعرضون له من القتل والعزل والإذلال.

ومما لا شك فيه أن هذا الوضع المضطرب له الأثر السلبي على العلماء المعاصرين له الذين أخذوا العهد على أنفسهم بتوجيه النَّاس الوجهة الصالحة، وبيان الحق لهم، فكانوا يغضبون على تلك الطائفة التي تحاول إثارة الشغب بما تحيكه من المؤامرات ضد السلاطين، خصوصًا وأنهم أظهروا الدفاع عن البلاد الإسلامية، وحماية أهلها، وصدوا هجمات التتار المتكررة -كما رأينا- وحرصوا على مصالح الرعية، وأشاعوا العدل بينهم (٤).


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير ١٤/ ١٩ - ٢٣.
والكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: ٩٦، ٩٧.
(٢) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- ١٤/ ٣١.
(٣) انظر: النجوم الزاهرة -لابن تغري بردي- ٨/ ٢٦٤ - فما بعدها.
وحسن المحاضرة -للسيوطي- ٢/ ١٠٥ - ١١٤.
(٤) انظر: النجوم الزاهرة -لابن تغري بردي- ٧/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>