للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن وسائر الكلام هو مجرد الحروف والأصوات الدّالة على المعاني، لكنهم لم يجعلوا لله كلامًا تكلم هو به، وقام به، ولا جعلوا لهذه الحروف معاني تقوم بالله أصلًا، إذ عندهم لم يقم بالله لا علم، ولا إرادة ولا غير ذلك، بل جعلوا الحروف والأصوات مخلوقة خلقها الله في بعض الأجسام، كما يزعمون أنَّه خلق في نفس الشجرة صوتًا سمعه موسى، حروف ذلك الصوت: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (١).

ولا ريب أن هذا يوجب أن تكون الشجرة هي القائلة: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (٢)، إذ المتكلم بالكلام هو الذي يقوم به، كما أن المتحرك بالحركة، والعالم بالعلم، وغير ذلك من الصفات والأفعال وغيرها هو من يقوم به الصفة، ولا يجوز أن يكون الشيء (٣) متكلمًا بكلام يقوم بغيره ولا يقوم به أصلًا، كما لا يكون عالمًا قادرًا بعلم وقدرة لا تقوم إلَّا بغيره، ومتحركًا بحركة لا تقوم إلَّا بغيره، وطرد ذلك عند المحققين من الصفاتية أنَّه (٤) لا يكون فاعلًا خالقًا ومكونًا بفعل وخلق وتكوين لا يقوم إلَّا بغيره، كما هو مذهب أهل الحديث والصوفية والفقهاء وطوائف من أهل الكلام (٥).

ومما ينبغي أن يعلم أن الجهمية لما كانت في نفس الأمر، قولها


(١) سورة طه، الآية: ١٤.
في الأصل: {إِني أَنَا اللَّهُ. . .} الآية وهو خطأ.
(٢) سورة طه، الآية: ١٤.
(٣) في ط: لشي.
(٤) في س: أن.
(٥) في هامش س: قف على هذا التحقيق النفيس. رحمة الله عليه من إمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>