للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاته، وهي المدبرة للعالم بطريق التولد والتعليل، لا بأمر من الله وإذن يكون إذا شاء، بل يجعلون الَّذي (١) يسمونه العقل الفعال هو المدبر لهذا العالم من غير أن يحدث الله نفسه شيئًا أصلًا، ولهذا عبد هؤلاء الملائكة والكواكب وعظموا ذلك جدًّا، وهذه النصوص المتواترة تكذبهم، وتبين بعدهم عن الحق بمراتب متعددة خمسة وأكثر.

فإن المرتبة الأولى: أن الملائكة هل تتصرف وتتكلم، كما يفعل ذلك سائر الأحياء بغير إذن من الله وأمر وقول؟ وإن كان الله خالق (٢) أفعالهم، كما هو خالق أفعال الحيوان كله، فإن الحيوان من الجن والإنس والبهائم، وإن كان الله خالق أفعالهم فإن أفعالهم قد تكون معصية، وقد تكون غير مأمور بها ولا منهي عنها، بل يتصرفون بموجب إرادتهم، وإن كانت مخلوقة والملائكة ليسوا كذلك، بل لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، فلا يفعلون ما يكون من جنس المباحات والمنهيات، بل لا يفعلون إلّا ما هو من الطاعات.

والمرتبة الثانية: أنهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى، فلا يشفعون عنده لمن لا يحب الشفاعة له، كما قد يفعله بعض من يدعو الله بما لا يحبه.

والمرتبة الثالثة: أنهم (٣) لا يبتدئون بالشفاعة، فلا يشفعون إلّا بعد أن يأذن لهم في الشفاعة.

والمرتبة الرابعة: أنهم لا يستأذنون في أن يشفعوا إذ هم لا يسبقونه بالقول، بل هو يأذن لهم في الشفاعة ابتداء، فيأمرهم بها فيفعلونها عبادة لله وطاعة.


(١) في س: الذين.
(٢) في الأصل: خلق. والمثبت من: س، ط.
(٣) في س، ط: أنهم أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>