للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تأمل كتب المتكلمين الذين يخالفون هذا القول وجدهم لا يبحثون في الغالب أو (١) في الجميع إلَّا مع هذا القول الَّذي ما علمنا لقائله وجودًا.

وإن كان مقصود الحالف أن القرآن الَّذي أنزله الله تعالى على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو هذه المائة والأربع عشرة سورة حروفها ومعانيها وأن القرآن ليس الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل هو مجموع (٢) الحروف والمعاني، وأن تلاوتنا للحروف وتصورنا للمعاني لا يخرج المعاني والحروف عن أن تكون موجودة قبل وجودنا، فهذا مذهب المسلمين، ولا حنث عليه.

وكذلك إن كان مقصوده أن هذا القرآن الَّذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله - سبحانه - حقيقة لا مجازًا، وأنه لا يجوز نفي كونه كلام الله، إذ الكلام يضاف حقيقة لمن قاله متصفًا به مبتدئًا، وإن كان قد قاله غيره مبلغًا مؤديًا، وهو كلام لمن اتصف به مبتدئًا لا لمن بلغه مؤديًا (٣)، فإنا باضطرار نعلم من دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودين سلف الأمة أن قائلًا لو قال: إن هذه الحروف -حروف القرآن- ما هي من القرآن، وإنما القرآن اسم لمجرد المعاني، لأنكروا ذلك عليه غاية الإنكار، وكان عندهم بمنزلة من يقول: إن جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


= وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ذكر أن أبا إسحاق إبراهيم بن درباس صنف جزءًا سماه "تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة" ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه عليهم، وقد سبقهم المشركون فكانوا يلقبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بألقاب افتروها".
انظر: مجموع الفتاوى ٥/ ١١١.
(١) في الأصل: وفي. والمثبت من: س، ط والمجموع.
(٢) في الأصل: بل مجموعها. والمثبت من: س، ط والمجموع.
(٣) في س، ط: مرويًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>