للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر، وأمَّا هنا فلم يمكنهم أن يقولوا: إن الله أخبر بما لا يعلمه أو بما يعلم ضده، بل علمه من لوازم خبره، سواء كان هو معنى الخبر أو لازمًا لمعنى الخبر، ولهذا أخبر الله بأنَّ القرآن لما جاءه (١) العلم، فقال: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (٢)، وقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (٣).

وهذا ممَّا احتج به الأئمة (٤) في تكفير من قال بخلق القرآن، وقالوا قولهم يستلزم أن يكون علم الله مخلوقًا، لأنَّ الله أخبر أن هذا الذي جاءه من العلم، ولم يعن علم غيره، فلا بد أن يكون عني أنَّه من علمه ومن جعل علم الله مخلوقًا قائمًا بغيره فهو كافر، ولا ريب أن كل واحد من أمر الله وخبره يتضمن علمه -سبحانه- كما تقدم، لكن أمره فيه الطّلب الذي وقع النزاع (٥) فيه، هل هو حقيقة غير الإرادة، أو هو مستلزم لنوع من الإرادة، أو هو نوع منها، أو هو الإرادة؟ وهذا ليس هو العلم.

وأمَّا الخبر فلا ريب أنَّه متضمن لعلم الله، ولا يمكن أن يتنازع في كون معنى خبر الله يوجد بدون علمه، فظهر الأمر في هذا الباب.


= والمواقف -للإيجي- ص: ٣٢٠ - ٣٢٣. والمحصول في علم أصول الفقه -للرازي- ١/ ٢ / ١٩، ٢٤. والإرشاد -للجويني- ص: ٢٤٣ - ٢٥٤.
(١) الضمير يعود على النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أي: جاء النَّبيّ القرآن.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٦١.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٢٠.
(٤) تقدم بعض أقوال الأئمة كالإمام أحمد -رحمه الله- وغيره، واحتجاجهم بمثل هاتين الآيتين على أن القرآن غير مخلوق، لأنَّ قولهم يتضمن خلق أسماء الله وعلمه، والقرآن فيه أسماء الله وهو من علم الله.
فراجعه في: ص: ٥٨١ فما بعدها.
(٥) في س، ط: التنازع.
وهذا النزاع ذكره بشكل مفصل: الرازي -في المحصول في علم أصول الفقه ١/ ٢ / ٢٣ - ٣٢. وأبو الحسين البصري- في المعتمد ١/ ٤٣ - ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>