للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورود التكليف دال على علمه، وعلمه دال على ثبوت الكلام الصدق أولًا، إذ العالم بالشيء لا يخلو عن نطق النفس بما يعلمه، وذلك هو التدبير والخبر، وربما يعبر عن هذا بأنه لو لم يكن القديم - سبحانه - متكلمًا لاستحال منه التعريف والتنبيه على التكليف، لأن طرق التعريف معلومة، وذلك كالكتابة والعبارة والإشارة، وشيء من هذا لا يقع به التعريف دون أن يكون ترجمة عن الكلام القائم بالنفس، ومن لا كلام له استحال أن ينبه غيره على المعنى الَّذي يستند إلى الكلام.

قال: ومما يدل على ثبوت الكلام لله آيات الرسل - عليهم السلام - فإنها كانت أدلة، ولا تدل على الصدق لأنفسها، وإنما كانت دالة من حيث كانت نازلة منزلة، قوله لمدعي الرسالة: صدقت، والتصديق من قبل الأقوال، ولا يكون المصدق مصدقًا لغيره بفعله التصديق، وإنما يكون مصدقًا له لقيام التصديق بذاته بأمر الله وبنهيه (١) ".

قلت: أما استدلالهم على ثبوت كلام الله بالتكليف والأحكام، فهذا من باب الاستدلال على الشيء بنفسه، بل من باب الاستدلال على الشيء بما هو أخفى منه مع الاستغناء عنه، فإنه إذا كان التكليف والأحكام إنما ثبت (٢) بالرسل، فالرسل كلهم مطبقون على تبليغ كلام الله ورسالته، وأن الله يقول وقال ويتكلم، ومن المعلوم أن نطق الرسل بإثبات كلام الله وقوله أكثر وأشهر وأظهر من نطقهم بلفظ تكليف وأحكام، فإذا كان هذا الدليل لا يثبت إلَّا بعد الإيمان بالرسل، وبما أخبروا (٣) به، فإخبارهم بكلام الله وقوله لا يُحتاج فيه إلى دليل، ولهذا عدل غير هؤلاء عن هذا الدليل الغث، واحتجوا على ثبوت كلام الله


(١) في الأصل، س: ومنهيون بنهيه. وفي ط: منهيًا بنهيه. والكلام يستقيم بدون الزيادة.
(٢) في س: يثبت. وفي ط: تثبت.
(٣) في الأصل: أخبر. وأثبت المناسب من: س، ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>