للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجازًا وتنفي (١) الحقيقة، كمأ قاله جمهوركم؟ أو يقال: بل سمي كلام الله على الاشتراك بينه وبين غيره كما قاله بعضكم؟ على قولين (٢):

فإن قلتم بالأول: لزمكم أن لا تكون المعتزلة تعتقد في الحقيقة أن كلام الله مخلوق بحال، وإن تلفظوا بذلك بألسنتهم فهم مخطئون في هذا اللفظ، وهم بمنزلة من قال: إني زنيت بأمي، أو قتلت نبيًّا، ولم يكن المزني بها أمه، ولا المقتول نبيًّا، فهو مخطئ في هذا الظن فيما يحكيه عن نفسه، لكن هذا القول يظن القائل أنَّه به مذموم، والمعتزلة لا تذم أنفسها (٣)، وإن كانت الجماعة تذمهم بذلك، فنظير ذلك أن يعتقد بعض الكفار أنَّه قد قتل إمام المسلمين، أو أخذ كتابًا فمزقه يظن أنَّه المصحف، أو قتل أقوامًا يظنهم (٤) علماء المسلمين، وهو عند نفسه متدين بذلك، ولم يكن الأمر كذلك، وهكذا هم المعتزلة عندكم، فإنهم قالوا في الَّذي اعتقدوا أنَّه كلام الله: إنه مخلوق، فقلتم أنتم لا ريب أنَّه مخلوق كما لا ريب في قتل أولئك النفر وتمزيق ذلك


(١) في الأصل، س: ينفي. وأثبت المناسب للكلام من: ط.
(٢) ذكرهما إمام الحرمين الجويني في "الإرشاد" ص: ١٠٨ فقال: ". . الطريقة المرضية عندنا أن العبارات تسمى كلامًا على الحقيقة، والكلام القائم بالنفس كلام، وفي الجمع بينهما ما يدرأ تشغيب المخالفين.
ومن أصحابنا من قال: الكلام الحقيقي هو القائم بالنفس، والعبارات تسمى كلامًا تجوزًا كما تسمى علومًا تجوزًا، إذ قد يقول القائل: سمعت علمًا وأدركت علومًا، وإنما يريد إدراك العبارات الدالة على العلوم، ورب مجاز يشتهر اشتهار الحقائق". انظر: نهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: ٣٢٠، ٣٢١.
أقول: ومرادهم بالعبارات هي ما تدل على الكلام القائم بالنفس -أي: المعنى- تارة، وما يصطلح عليه من الإشارات أخرى، فالعبارات عندهم غير المعنى القائم بالنفس.
(٣) في س، ط: أنفسها بذلك.
(٤) في س: بظنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>