للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذي أبعاض ولا أجزاء ولا آلات؟ أتعني بذلك أنه لا يتفرق ولا ينفصل منه شيء عن شيء، بل هو صمد -سبحانه وتعالى؟ أم تعني به أنه لا يتميز منه في العلم شيء من شيء؟.

فإن عنيت الأول فهو حق، لكن لا يفيدك ذلك، فإن هذا لا يستلزم أن لا يكون له كلام متعدد.

وإن عنيت الثاني قيل لك: لا ريب أنك تسلم أنه يمكن العلم ببعض صفاته دون بعض، كما تعلم قدرته ولا تعلم (١) علمه، وتعلم وجوده ولا تعلم وجوبه، ولا ريب أن المعلوم ليس هو هذا الذي ليس بمعلوم، فهذا إقرار منك بثبوت التبعيض والتجزيء بهذا الاعتبار، ثم العلم إن لم يكن مطابقًا للمعلوم كان جهلًا، فلا بد أن تكون هذه الحقائق متميزة في ذواتها، وهذا صريح فيما أنكرته، ولا بد لكل موجود من مثل هذا، فإنه ما من موجود إلّا ويمكن أن يعلم منه شيء دون شيء وذلك يستلزم ثبوت حقائق ليست هذه هي هذه، وهذا لازم لكل أحد، حتى نفاة الصفات يقرون بثبوت المعاني التي هي هذه، وإن (٢) كان التبعيض (٣) بهذا الاعتبار ثابتًا لم يمكنك إنكار التبعيض مطلقًا، بل علم بالضرورة والاتفاق أن منه شيئًا ليس هو الشيء الآخر.

أما الصفاتية فيقرون بذلك لفظًا ومعنى وهو الحق، والكلابية والأشعرية منهم، وأما نفاة الصفات فإنهم -أيضًا- مضطرون إلى الإقرار بذلك، فإن أخذوا يقولون بل هذا هو هذا، كما يقوله المتفلسفة في العاقل والمعقول والعقل (٤) وفي الوجود والوجوب، وكما يقول المعتزلة


(١) في س: يعلم.
(٢) في س، ط: وإذا.
(٣) في ط: والتبعيض.
(٤) نقل الشهرستاني في "الملل والنحل" ٢/ ١٨٤ - أن ابن سينا يقول: إن واجب الوجود عقل وعاقل ومعقول، وأنه يعقل ذاته والأشياء، وصفاته الإيجابية =

<<  <  ج: ص:  >  >>