للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الصفات السمعية، مع أن ابن كلاب كان مبتدعًا (١) عند السلف والأئمة، بما قاله في مسألة القرآن وفي إنكار الصفات الفعلية القائمة بذات الله، ثم إن المعتزلة وإن انقمعوا من هذا الوجه فإنهم طمعوا وقووا من وجه آخر بموافقتكم لهم على أصول النفي والتعطيل، فصار ذلك مغريًا لفضلائهم بلزوم مذهبكم، فإن كل من فهم مذهبكم الذي خالفتم فيه المعتزلة، علم أن كل (٢) ما ذكرتموه قول فاسد -أيضًا- وإن كان قول المعتزلة فاسدًا. ونشأ الفساد.

الثاني: وهو أن الفضلاء إذا تدبروا حقيقة قولكم الذي أظهرتم فيه خلاف المعتزلة، وجدوكم قريبين منهم أو موافقين لهم في المعنى، كما في مسألة الرؤية، فإنكم تتظاهرون بإثبات الرؤية والرد على المعتزلة، ثم تفسرونها بما لا ينازع المعتزلة في إثباته، ولهذا قال من قال من الفضلاء في الأشعري: إن قوله قول المعتزلة ولكنه عدل عن التصريح إلى التمويه (٣)، وكذلك قولكم في مسألة القرآن، فإنه لما اشتهر عند الخاص والعام أن مذهب السلف والأئمة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم أنكروا على الجهمية المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إنه مخلوق حتى كفروهم، وصبر الأئمة على امتحان الجهمية مدة استيلائهم، حتى نصر الله [أهل] (٤) السنة وأطفأ الفتنة، فتظاهرتم بالرد على المعتزلة وموافقة السنة والجماعة، وانتسبتم إلى أئمة السنة في ذلك، وعند التحقيق فأنتم


(١) في الأصل: مبدعًا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(٢) كل: ساقطة من: س، ط.
(٣) أخرج أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام" مخطوط - الجزء السابع - الطبقة التاسعة - اللوحة: ٣، أن الحاكم عدنان بن عبدة النميري قال: سمعت أبا عمر البسطامي يقول: كان أبو الحسن الأشعري أولًا ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم، وإنما مذهبه التعطيل إلا أنه رجع من التصريح إلى التمويه.
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>