للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١١٨ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٣٩٠): " وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث أن يصنع كما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجبت وبالله التوفيق: إنه إن حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضا= جاز والأولى به الترك خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك، ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه إثبات التنزيه وحسم مادة التشبيه عنه وهو: أن الإشارة إلى عينه - صلى الله عليه وسلم - إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال.

وذلك في كلامه على حديث رقم ٧٤٠٨، كتاب التوحيد، باب ١٧.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: حاصل جواب الحافظ عما سئل عنه أنه يجوز بشرطين:

الأول: أن يكون من بحضرته يعتقد التنزيه.

الثاني: أن يقصد بالإشارة محض التأسي.

وفي هذا الجواب نظر من وجهين:

أولاً: أن الإشارة إذا كان المراد بها محض التأسي لم يكن لها معنى بالنسبة للمخاطبين، ولا بالنسبة لمضمون الكلام.

ثانيًا: أن لفظ تنزيه الله عن صفات الحدوث يريد به المعطلة ومن وافقهم نفي الصفات عن الله؛ لأن الصفات عندهم تستلزم الحدوث.

وأما التنزيه الذي يقول به أهل السنة فهو تنزيهه سبحانه عن مماثلة المخلوقات مع إثبات الصفات إثباتًا بلا تشبيه وتنزيهًا بلا تعطيل.

والأشبه بطريقة الحافظ أنه أراد بالتنزيه المعنى الأول، ولو اقتصر رحمه الله تعالى على قوله: "والأولى به الترك" لكان أسلم له. وأما المعنى الذي ذكر أنه خطر له في معنى الإشارة في الحديث، ولم يره من شراح الحديث، وهو: "أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال" فهو معنى باطل يرده أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار بيده إلى عينه عند قوله: "إن الله ليس بأعور" لا عند قوله: "وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى". وكل هذا هروب من الاستدلال بالحديث على إثبات العين لله تعالى، وهو المعنى الذي قصده البخاري رحمه الله تعالى؛ فالبخاري في واد والحافظ في واد آخر؛ فهو في مثل هذه المواضع يخالف منهج البخاري وأهل السنة والجماعة.

والأظهر في الجواب عن ذلك السؤال أن يقال: تجوز الإشارة عند ذكر هذه الأحاديث لنفس المعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته - وهو إرادة تأكيد الحقيقة كما تقدم - يدل لذلك عموم قوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فيدخل في ذلك طرق البيان التي بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ بها رسالة ربه، ويمكن إذا خشي أن يتوهم أحد من الإشارة التشبيه أن يقصد المتحدث بإشارته حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه، فيشير إلى عينه ونحو ذلك، ويمكن رفع التوهم أيضًا ببيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته. وما كان السلف الصالح يستوحشون من ذكر آيات وأحاديث الأسماء والصفات لأنهم يؤمنون بما دلت عليه على الوجه اللائق به سبحانه، ويقولون: أمروها كما جاءت بلا كيف.

وأما الذين دخل عليهم مذهب التعطيل فإنهم يقفون من تلك النصوص موقف الرد إن أمكنهم، أو موقف التأويل أو التفويض؛ فهم لا يؤمنون بحقائقها، بل يرون أنه لا يجوز اعتقاد ظاهرها؛ فإن ظاهرها عندهم هو التشبيه، ومن عوفي فليحمد الله.