للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٢٣ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٣٩٨): قال الخطابي " ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهودي؛ فإن اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم من قول الحبر فيحتمل الرضا والإنكار، وأما قول الراوي: "تصديقا له" فظن منه وحسبان، وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة، وعلى تقدير صحتها فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل، وبصفرته على الوجل؛ ويكون الأمر بخلاف ذلك، فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم، والصفرة لثوران خلط من مرار وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظا فهو محمول على تأويل ... انتهى ملخصا

وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع لوروده في عدة أحاديث كالحديث الذي أخرجه مسلم: "إن قلب بن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن"، ولا يرد عليه لأنه انما نفى القطع.

وقال القرطبي في المفهم: .. هذا كله قول اليهودي وهم يعتقدون التجسيم وأن الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة وضحك النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للتعجب من جهل اليهودي ... وأما من زاد "وتصديقا له" فليست بشيء فإنها من قول الراوي وهي باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدق المحال وهذه الأوصاف في حق الله محال؛ إذ لو كان ذا يد وأصابع وجوارح كان كواحد منا، فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلها؛ إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته؛ لصحت للدجال وهو محال، فالمفضي إليه كذب، فقول اليهودي كذب ومحال، ولذلك أنزل الله في الرد عليه: {وما قدروا الله حق قدره} وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله؛ فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق وليس كذلك.

فإن قيل: قد صح حديث: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن" فالجواب أنه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه، مع القطع باستحالة ظاهره؛ لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه، وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب؛ بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه وقبحناه، ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا له في المعنى، بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه، ونقطع بأن ظاهره غير مراد انتهى ملخصا.

وهذا الذي نحا إليه أخيرا أولى مما ابتدأ به لما فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الأخبار الثابتة".

وذلك في كلامه على حديث رقم ٧٤١٤، كتاب التوحيد، باب ١٩.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: من العجب إفراط الحافظ ـ عفا الله عنا وعنه ـ في نقل أقوال المتأولين من النفاة لحقائق كثير من الصفات مع ما فيها من التمحلات والتكلفات في صرف الكلام عن وجهه بشبهات واهية؛ مثل التشكيك في تفسير ابن مسعود رضي الله عنه لضحك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تصديقًا له"، وتخطئة ابن مسعود رضي الله عنه في خبره ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المشاهد للقصة والأعلم بدلالة حال النبي صلى الله عليه وسلم ومقاله.

هذا، ولو لم يرد هذا التفسير من ابن مسعود رضي الله عنه لكان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوته للآية كافيًا في تقرير ما قاله اليهودي من ذكر الأصابع، وجعل المخلوقات عليها.

وأما الحمل في ذلك على اليهود، وأن اليهود مشبهة، فنعم اليهود مشبهة فيما نسبوه إلى الله تعالى من النقائص؛ كالفقر والإعياء والبكاء.

وأما ما وصفوا الله به مما دل عليه القرآن والسنة فلا يجوز رده لوروده على بعض ألسنتهم؛ فلو لم يقرّ الرسول صلى الله عليه وسلم اليهودي بما قال لما صح الاستدلال بقول اليهودي على إثبات الأصابع، بل كان الواجب التوقف فيه، كما هو الواجب في كل ما يحدث به بنو إسرائيل فيما لم يرد به دليل على ثبوته ولا نفيه.

وفي كلام الخطابي والقرطبي عفا الله عنهما تخبطٌ حملهما عليه أصلهما الفاسد الذي استقر في عقليهما وعقول كثير ممن لم يفهم حقيقة مذهب السلف الصالح.

وذلك الأصل الفاسد هو نفي حقائق هذه الصفات كالوجه واليدين والأصابع والعينين، وكالمحبة والرضا والغضب، والضحك والفرح إلى غير ذلك؛ بشبهة أن إثباتها يستلزم التشبيه، وهي عين الشبهة التي نفت بها الجهمية أسماء الله وصفاته. فما يرد به الأشاعرة - ونحوهم ممن يفرق بين الصفات - على الجهمية والمعتزلة هو ما يرد به أهل السنة عليهم فيما وافقوا فيه المعتزلة والجهمية.

فلا بد للأشاعرة ونحوهم من الرجوع إلى المذهب الحق البريء من التناقض - وهو مذهب أهل السنة والجماعة - أو الخروج إلى مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة، فلا مخلص لهم من تناقضهم إلا بأحد الأمرين، فالواجب الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح الذين مذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم، خلافًا لما زعمه بعض الخلف، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وبعد فقد أحسن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تعقبه على من خطَّأ ابن مسعود في فهمه من ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديق قول اليهودي، وأحسن كذلك في إيراده تعقب ابن خزيمة لمن منع صفة الأصابع لله تعالى؛ ونص كلام ابن خزيمة كما ورد في كتاب التوحيد له: «وقد أجَلَّ الله قدر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق بحضرته بما ليس من صفاته فيسمعه فيضحك عنده، ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضحكًا تبدو نواجزه تصديقًا وتعجبًا لقائله. لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته» [كتاب التوحيد ١/ ١٧٨ ط. الرشد]

ويريد ابن خزيمة - رحمه الله - بذلك أنه يلزم من ينفي صفة الأصابع لله عز وجل مع ثبوت ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقًا لوصف اليهود لله تعالى بذلك؛ يلزم هذا النافي أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم بالضحك وإقرار الباطل بدلاً من إنكار ذلك والغضب منه؛ فيصف النبي صلى الله عليه وسلم بترك الواجب وقد أجلَّه الله عن ذلك.