للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٤٣ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤٣٥): "قوله: (باب ما جاء في قول الله تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين، قال ابن بطال: الرحمة تنقسم إلى صفة ذات، وإلى صفة فعل، وهنا يحتمل أن تكون صفة ذات، فيكون معناها إرادة إثابة الطائعين، ويحتمل أن تكون صفة فعل فيكون معناها أن فضل الله بسوق السحاب وإنزال المطر قريب من المحسنين، فكان ذلك رحمة لهم لكونه بقدرته وإرادته ... ". وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب ٢٥.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: قول ابن بطال: "الرحمة تنقسم إلى صفة ذات وإلى صفة فعل": هذا صحيح؛ فإنه سبحانه ذو الرحمة التي لم يزل متصفًا بها وهي لازمة لذاته، وهو ذو رحمة يرحم بها من يشاء؛ فالأولى هي الصفة الذاتية، والثانية هي الصفة الفعلية، وكلاهما قائم بذاته سبحانه وتعالى. ولولا ذلك لم تكن صفة. ولكن ابن بطال فسر الرحمة الذاتية بالإرادة على طريقة الأشاعرة، وفسر الرحمة الفعلية بالمفعول المخلوق كسوق السحاب، وكلا التفسيرين خطأ؛ فإن الرحمة غير الإرادة، والفعل القائم بالفاعل غير المفعول، والأشاعرة لا يثبتون حقيقة الرحمة، فلذا يؤولونها بالإرادة ولا يثبتون فعلاً يقوم بالرب بمشيئته سبحانه، فلذا يجعلون الفعل هو المفعول، ومعلوم أن المفعول ليس صفة للفاعل، بل هو أثر فعله. وبهذا تبين أن تسمية المفعول - وهو الرحمة المخلوقة كالمطر - صفة فعلية مخالفة للعقل. وتحرير المقام أن الرحمة المضافة لله تعالى إما أن تكون صفة ذاتية أو فعلية كما تقدم، وإما أن تكون مخلوقة؛ فمن الأول قوله تعالى: "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"، ومن الثاني قوله تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله"؛ فإن المراد بالرحمة هنا: المطر. وكقوله تعالى: "وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته"، وكما في حديث الباب من قوله تعالى للجنة: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء".

وانظر التعليقين (٦٧) و (٧٩).