للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

معها الإحاطة، ولو كان ﷾ لا يُرى لما صحَّ نفيُ الإدراك، فلا يصح أن يقال حينئذٍ: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾، بل يُقال: (لا تَرَاهُ الأَبْصَارُ)، فلما نفى إدراك الأبصار له ﷾ دلَّ على أنه يُرى لكن من غير إحاطة، فالأبصار لا تحيط به سبحانه؛ لكمال عظمته ﷿.

وهكذا قوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ فقد زعم المستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية بناء على أنَّ «لن» تدل على التأبيد، يعني: لن تراني أبداً.

وقد ردَّ المحقِّقُون من أهل اللُّغَة القول بأنَّ «لن» تفيد التأبيد، كما قال ابن مالك في «الكافية»:

وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِ «لَنْ» مُؤبَّدَا … فَقَولَهُ ارْدُدْ وَخِلَافَهُ اعْضُدَا (١)

فالصحيح أنَّ «لن» تكون للتأبيد ولغير التأبيد، ومما يدل على ذلك قوله ﷾ في اليهود: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ يعني: الموت ﴿أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥]، فاجتمع في هذه الآية «لن» مع ذكر التأبيد، وقد أخبر ﷾ أن أهل النار يتمنون الموت كما قال سبحانه: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُون (٧٧)[الزخرف]، فعُلم أن النفي في آية البقرة - وهو نفي تمنيهم الموت - إنما هو في الدنيا، بدليل تمنيهم الموت في الآخرة بعد دخولهم النار كما في آية الزخرف.

وأيضاً فإنه تعالى لو كان لا يُرى أبداً لم يقل لموسى ﵇: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾، ولقال له: (إني لا أُرى)، وفرقٌ بين اللَّفظين، فإنَّ قوله: ﴿لَنْ


(١) «الكافية الشافية» مع شرحها للناظم (٣/ ١٥١٥).

<<  <   >  >>